الساري يفسر تفاوت هوامش أرباح شركات المحروقات

كشف تقرير صادر عن مجلس المنافسة حول أداء شركات توزيع الغازوال والبنزين خلال الربع الأول من سنة 2025 عن تفاوتات واضحة في تطور هوامش الربح، بالتوازي مع تسجيل ارتفاع ملموس في المداخيل الضريبية الناتجة عن واردات المحروقات، والتي بلغت 6.86 مليار درهم، بزيادة قدرها 412 مليون درهم مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، رغم انخفاض القيمة الإجمالية للواردات بنسبة 6.9 في المائة.

وبحسب التقرير، فإن متوسط هوامش الربح الخام خلال هذه الفترة بلغ 1.24 درهم للتر بالنسبة للغازوال، و1.95 درهم للتر للبنزين، وهي أرقام تقل عن متوسط سنة 2024 في حالة الغازوال (1.34 درهم)، بينما تتجاوزه في حالة البنزين (1.85 درهم).

وفي تحليله لهذه المؤشرات، أوضح الخبير الاقتصادي ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، رشيد الساري، أن التفاوت المسجل في تطور الهوامش يجد تفسيره في البنية الضريبية غير المتوازنة بين الغازوال والبنزين، فالفروقات في معدلات الضريبة الداخلية على الاستهلاك، إضافة إلى ضرائب أخرى تفرض على البنزين بشكل أعلى، تجعل هامش ربح هذا الأخير أعلى من الغازوال، حتى في ظل تقلبات الأسعار الدولية، معتبرا أن تأثير هذه الأسعار، وإن كان ملموسًا، يظل أقل وزنًا مقارنة بالتأثير البنيوي للهيكل الضريبي.

الخبير الاقتصادي رشيد الساري
الخبير الاقتصادي رشيد الساري

ففي بداية السنة، بلغ هامش الربح 2.11 درهم للبنزين مقابل 1.46 درهم للغازوال، وهو ما يعكس الفرق في العبء الضريبي أكثر مما يعكس منطق السوق البحت، ومع بداية تراجع الأسعار العالمية للنصف الثاني من فبراير، انخفض هامش الربح تدريجيًا ليستقر في نهاية مارس عند 0.86 درهم للغازوال و1.66 درهم للبنزين، دون أن يتغير نمط الفارق بينهما، وفقا لذات المصدر.

وأشار الساري إلى أن متوسط هامش الربح ظل في حدود 72 سنتيمًا، ما يدل على استقرار نسبي في مستوى الأرباح الصافية رغم التذبذب الدولي، وهو ما يُعزى أساسًا إلى النظام الضريبي وليس إلى تحولات ظرفية.

كما أوضح أن تحسن الطلب الداخلي، خاصة في قطاع النقل، ساهم في رفع حجم الواردات بنسبة 10.4 في المائة، مما زاد من مداخيل الدولة المرتبطة بالضريبة الداخلية على الاستهلاك، دون أن تتغير مداخيل الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يوضح أن نمو العائدات الجبائية ناتج بالأساس عن ارتفاع الكميات المستوردة أكثر من الأسعار.

وأشار الخبير الاقتصادي رشيد الساري إلى نقطة محورية في تفسير التفاوتات المسجلة، تتعلق بتغيير آلية احتساب هوامش الربح في القطاع، حيث انتقلت شركات توزيع المحروقات من اعتماد طريقة بسيطة تقوم على الفرق بين ثمن البيع وثمن الشراء، إلى منهج أكثر عمقا يُعرف بـ”المحاسبة التحليلية”.

هذا التحول في المنهجية، بحسب الساري، لا يقتصر فقط على احتساب الفرق بين الكلفة وسعر البيع، بل يدخل في اعتباره مجموعة من العناصر المتداخلة، من بينها التكاليف الثابتة (كالاستثمار في البنية التحتية، والمصاريف الإدارية، ومصاريف التخزين)، والتكاليف المتغيرة (مثل النقل، واللوجستيك، وتكاليف الصيانة، وتكاليف التوزيع المباشر عبر المحطات)، ما يجعل الربح الصافي أكثر تعبيرًا عن الوضع المالي الفعلي للشركات، لكنه في المقابل يفتح المجال لتفاوتات أكبر بين الشركات حسب قدراتها التمويلية وبنياتها التنظيمية.

وفي تعليقه على معطيات التقرير، أكد الساري أن تطور الهوامش ما بين سنتي 2018 و2024 يكشف عن تأثير واضح للغرامة التصالحية التي فُرضت سنة 2023، والتي أدت إلى تراجع في الأرباح، قبل أن تعاود الارتفاع في سنة 2024 رغم استمرار الرقابة.

وتُبرز المؤشرات المضمنة في تقرير مجلس المنافسة، مرفوقة بقراءة الخبراء، دينامية واضحة داخل قطاع المحروقات خلال الربع الأول من سنة 2025، ورغم التفاوتات المسجلة في هوامش الربح بين الغازوال والبنزين، فإن المعطيات تُظهر استقرارًا عامًا في السوق، مدفوعًا بتحسن الطلب الداخلي وتطور آليات التخزين والتوزيع، إلى جانب تحديث أدوات المحاسبة المعتمدة في احتساب الأرباح. وهي كلها معطيات تعكس مسارًا متواصلاً في هيكلة القطاع وتأقلمه مع التحولات الاقتصادية الجارية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *