عندما تصبح “الكارثة العظمى” هي الجهل والافتراء

*يونس عميمي الشرقاوي*

عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال

 

ما يحزّ في النفس، هو أن يتحول جزء من النقاش السياسي داخل قبة البرلمان إلى مجرد فرصة لاستعراض ادعاءات زائفة وتصريف خطابات فاقدة للمصداقية هدفها الوحيد تحقيق لحظة “بوووز” إعلامي، ولو كان ذلك على حساب احترام القوانين المنظمة للعمل البرلماني.

 

ففي جلسة عمومية بمجلس النواب ،يوم الاثنين 21 يوليوز 2025، المخصصة للأسئلة الشفهية، خرجت نائبة برلمانية عن الفريق الاشتراكي بإدعاء غريب حول غياب عدد من الوزراء، وذهبت حدّ ذكر أسماء بعينها، من بينها الأخ نزار بركة، وزير التجهيز والماء، متناسية أو متجاهلة عن وعي أو عن سوء نية، أن جدول أعمال هذه الجلسة المنشور على البوابة الرسمية للمجلس، يفضح هذا الادعاء ويُسقطه.

 

القطاعات الحكومية المبرمجة خلال هذه الجلسة لا تشمل وزارة التجهيز والماء، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي غياب أو تقاعس من قبل الوزير، لأن الأصل في الحضور يتحدد وفق برمجة الأسئلة والقطاعات المدعوة.

 

وهذا ما يجعل هذا الادعاء مجرّد مغالطة للرأي العام وللمشاهدين الذين يتابعون الجلسة عبر النقل التلفزي، بل هو خرق صارخ للنظام الداخلي للمجلس نفسه، الذي يحدد بوضوح أن الوزراء المعنيين بالأسئلة هم من تتم دعوتهم للحضور، ولا يُعقل اتهام أي وزير بالتغيب في غياب برمجة قطاعه ضمن جدول الأعمال، كما يمنع ذكرهم بالأسماء.

 

الأخ نزار بركة، وزير التجهيز والماء، هو من بين الوزراء الأكثر التزاما بالحضور والمواظبة على احترام المواعيد الدستورية والمؤسساتية، ولا يحتاج لشهادة في ذلك، إذ يمكن العودة ببساطة إلى سجلات الحضور الرسمية للمجلس، فالتشكيك في حضوره اليوم، دون موجب حق، يدخل في خانة الشعبوية والمحاولات اليائسة لخلق الإثارة الفارغة على بعد شهور من الاستحقاقات المقبلة.

 

هذا السلوك يطرح علينا أسئلة مقلقة، هل أصبح بعض البرلمانيين يعتبرون خرق القوانين الداخلية للمؤسسة التشريعية مناسبة لاستعراض فشلهم في جلسات منقولة تلفزيا وبشكل مباشر مما عطل عمل هذه الجلسة الدستورية ؟ وهل صرنا نعيش زمن الادعاءات المجانية والباطلة، فقط لأن البعض لا يستطيع أن يخلق النقاش السياسي الجاد إلا عبر التلفيق والمغالطة؟

 

المواطن ينتظر من ممثليه أن يناقشوا السياسات العمومية بجدية ومسؤولية، لا أن يبحثوا عن تصفية حسابات فارغة أو محاولة ركوب موجة “البوز” على حساب احترام المؤسسات، والمؤسف أن هذا النوع من التدخلات يمس بصورة المؤسسة التشريعية بأكملها.

 

ختاماً، من المفيد التذكير أن المسؤولية تقتضي التأكد من المعطيات قبل التفوه بها تحت قبة البرلمان، والمصداقية تُبنى على احترام المؤسسات والقوانين، لا على الادعاء المجاني والمزايدة السياسوية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

 

فلتتأكد السيدة النائبة ومن يسير على نهجها قبل أن يحاولوا تضليل الرأي العام، أن المغاربة أذكى من أن يُستدرجوا إلى تصفية حسابات انتخابوية لا تخدم الوطن ولا المؤسسات، فعلا اليوم يصح القول أن “الكارثة العظمى” هي الجهل والافتراء والكذب لخلق “البوز” الخاوي، وجعل البرلمان مسرحاً للادعاءات ومختبرا لابتكار الأكاذيب، ولكن المغاربة، وهم يشاهدون هذه اللقطة، يعرفون جيداً من يحترم القانون ومن يصطنع “الكارثة” فقط بحثاً عن فقرة في الأخبار أو مادة منشورة في المواقع أو منشور أو تغريدة عليها “100 لايك”.

 

“لكل غاية مفيدة، تجدون في الصورة جدول أعمال جلسة الاثنين 21 يوليوز 2025، ومن خلاله تجدون القطاعات المبرمجة، مما يفسر أنه ليس هناك غياب.”

 

رابط جدول أعمال الجلسة :

https://www.chambredesrepresentants.ma/sites/default/files/docspublics/OJ210725UP.pdf

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *