تقرير: المغرب يعيد تشكيل عقيدته الدفاعية لترسيخ نفوذه الإقليمي
كشف تقرير حديث وعميق صادر عن مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية، اطلعت عليه "بلبريس"، أن الاستثمارات العسكرية الضخمة التي يقوم بها المغرب على مستوى الدفاع لا تمثل مجرد عملية تحديث لترسانته، بل هي جزء من استراتيجية متكاملة ومدروسة بعناية لإعادة تشكيل عقيدته الدفاعية، وتعزيز سيادته الوطنية، وترسيخ دوره كلاعب محوري وموثوق في معادلة الأمن الإقليمي.
ويسلط التقرير، الذي يحمل عنوان "تحديث الدفاع المغربي: استثمارات استراتيجية في الأمن"، الضوء على أن هذا التحول النوعي يأتي كاستجابة مباشرة لبيئة جيوسياسية معقدة، تتسم بالمنافسة الإقليمية الحادة والتهديدات الأمنية المتطورة، وعلى رأسها خطر الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والتحديات المستمرة في أقاليمه الجنوبية.
ووفقاً لتحليل مؤسسة "كونراد أديناور"، فإن المغرب قد اختار بوعي نهج "التفوق النوعي" بدلاً من "التراكم الكمي"، وهو ما يفسر تركيزه على اقتناء أنظمة تكنولوجية فائقة الدقة. وفي قلب هذه الاستراتيجية، تبرز الطائرات المسيرة التركية المتطورة من طرازي "بيرقدار TB2" و "أكينجي"، التي منحت القوات المسلحة الملكية قدرات غير مسبوقة في مجال المراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة في العمق، وهو ما عزز بشكل كبير من سيطرته على مجاله الترابي.
ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن هذه الشراكة مع تركيا ستتوج بافتتاح مصنع صيانة وإنتاج في المغرب مطلع عام 2025، وهي خطوة استراتيجية تتماشى مع رؤية المملكة لبناء قاعدة صناعية دفاعية وتقليل الاعتماد على الخارج.
كما يتناول التقرير بالتفصيل الشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تظل المصدر الرئيسي للتسليح المغربي، عبر صفقات نوعية تشمل مروحيات "أباتشي AH-64" الهجومية، ومقاتلات "F-16 Block 70/72" الحديثة، وأنظمة الصواريخ الدقيقة "HIMARS". ويؤكد أن هذه الأنظمة لا تعزز فقط القدرات الدفاعية للمملكة، بل تضمن أيضاً قابلية التشغيل البيني مع القوات الأمريكية وحلف الناتو، مما يجعل من المغرب حليفاً لا غنى عنه في المنطقة، لا سيما بعد تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل.
ومن منظور مؤسسة "كونراد أديناور"، فإن هذه القوة العسكرية المتنامية تؤهل المغرب للعب دور "قوة استقرار إقليمية"، وشريك موثوق للقوى الدولية في جهود مكافحة الإرهاب وتأمين الممرات البحرية الحيوية كمضيق جبل طارق.
لكن التقرير لا يغفل عن التحديات والمخاطر، حيث يحذر من الانجرار إلى سباق تسلح مكلف قد يستنزف الموارد الاقتصادية. كما يشير إلى وجود فجوة يجب العمل على سدها، وتتمثل في ضرورة تعزيز القدرات البحرية لتأمين السواحل المغربية الشاسعة ومصالحه الاقتصادية في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط.
وفي رؤيته الاستشرافية، يخلص تقرير مؤسسة "كونراد أديناور" إلى أن العقد القادم سيشهد توجهاً مغربياً نحو سد هذه الفجوة البحرية، بالتوازي مع بناء قدرات متقدمة في مجال الحرب السيبرانية والهجينة، ليكون المغرب بذلك قوة متعددة الأبعاد قادرة على حماية سيادتها على الأرض والبحر وفي الفضاء الرقمي، وترسيخ مكانتها كقائد للأمن الإقليمي في بيئة عالمية متزايدة التعقيد.