بعد اتفاق جبل طارق.. جدل في إسبانيا حول إمكانية تقاسم السيادة على سبتة ومليلية مع المغرب

عاد ملف سبتة ومليلية المحتلتين إلى واجهة النقاش السياسي في إسبانيا، في خضم التطورات المرتبطة بالاتفاق الجديد بين مدريد ولندن بشأن جبل طارق، والذي يكرّس ما يشبه "السيادة المشتركة" بين البلدين على هذه المنطقة، برعاية الاتحاد الأوروبي.
هذا الاتفاق التاريخي، الذي وصفه مفوض التجارة الأوروبي ماروس سيفكوفيتش بـ"الحدث الاستثنائي"، فتح شهية المراقبين لتساؤلات أعمق حول احتمال سلوك الحكومة الإسبانية نفس المنهجية بخصوص المدينتين الخاضعتين للإدارة الإسبانية والمطلّتين على الأراضي المغربية.

ويتيح الاتفاق الجديد للشرطة الأوروبية والحرس المدني الإسباني صلاحيات الدخول إلى جبل طارق، وتنفيذ عمليات تفتيش والتحقق من الهويات، بما يشمل المواطنين البريطانيين.
غير أن هذه الصلاحيات لا تمتد إلى المنشآت العسكرية البريطانية بالمنطقة، حيث حافظت لندن على سيطرتها الكاملة على القاعدتين الجوية والبحرية، باعتبارهما ركيزة استراتيجية في المتوسط.

وتقود هذه الخطوة إلى مخاوف متصاعدة داخل الأوساط السياسية اليمينية في إسبانيا، إذ حذر الحزب الشعبي، صاحب أكبر كتلة في البرلمان، من أن الحكومة بقيادة بيدرو سانشيز قد تفتح باب التفاوض مع الرباط حول صيغة شبيهة من "السيادة المشتركة" على سبتة ومليلية المحتلتان، وهو ما اعتبره قادة المعارضة "تنازلًا مرفوضًا"، على غرار ما حدث في جبل طارق.

وفي هذا السياق، كتب أليخاندرو فيرنانديز، رئيس الحزب الشعبي في إقليم كتالونيا، على حسابه في منصة X، أن "الاتفاق بشأن جبل طارق يسبق خطط سانشيز بشأن سبتة ومليلية"، مضيفًا بسخرية: "سيقدمون لنا ذلك على أنه انتصار تاريخي. من الأفضل أن يكون هذا مسجلًا في هواتفهم".

من جهتها، حذّرت صحيفة El Debete اليمينية من أن المدينتين قد تكونان ضمن "التنازلات المستقبلية" للحكومة الإسبانية تجاه المغرب، معتبرة أن تخلي مدريد عن محاولات استعادة السيادة الكاملة على "الصخرة"، يمهد الأرضية لمفاوضات مشابهة حول سبتة ومليلية، وهما المدينتان اللتان طالما شكّلتا موضوع مطالب تاريخية من المملكة المغربية.

التقرير ذاته أشار إلى أن اتفاق التنقل الحر بين جبل طارق وإسبانيا، الذي تم توقيعه قبل يومين مع الاتحاد الأوروبي، يهدف إلى إلغاء الحواجز المادية بين الجانبين وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع، بما يضعف أي إمكانية لاستعادة سيادة حصرية على الإقليم.

ورغم تأكيد الصحيفة على وجود "اختلافات سياقية وتاريخية" بين سبتة ومليلية من جهة، وجبل طارق من جهة أخرى، إلا أن التوجس يظل حاضرًا لدى المعارضة الإسبانية من أن يكون اتفاق جبل طارق مجرد بداية لسلسلة من التنازلات الحدودية قد تشمل في مراحل لاحقة قضايا طالما شكلت خطوطًا حمراء في السياسة الخارجية الإسبانية، وفي مقدمتها السيادة على المدينتين المطلّتين على الشمال المغربي.

ويُذكر أن المغرب يعتبر سبتة ومليلية أراضٍ محتلة منذ حقبة الاستعمار، وقد طالب مرارًا بفتح حوار بشأن استرجاعهما، دون أن يتم إدراج هذا الملف بشكل رسمي على طاولة المفاوضات الثنائية حتى اليوم. لكن التطورات الجديدة قد تُعيد ترتيب الأولويات، وتفتح مسارًا غير مسبوق لمقاربة سياسية أكثر مرونة، تحت ضغط التحولات الأوروبية والإقليمية.