فيلات ووظائف غائبة: الجدل يتجدد حول المساكن الوظيفية لوزارة الصحة بفاس

تجددت في الآونة الأخيرة موجة من الجدل وسط الأطر الصحية بمدينة فاس، بسبب ما وصفته فعاليات مهنية بـ"الصمت المريب" لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية تجاه ملف احتلال المساكن الوظيفية من قبل غرباء لا علاقة لهم بالقطاع الصحي.
القضية التي طال أمدها دون أن تجد طريقها إلى الحل، تثير تساؤلات حقيقية حول تدبير الأملاك العمومية الخاصة بالقطاع، ومدى التزام الجهات المسؤولة بفرض القانون وحماية مبدأ تكافؤ الفرص بين موظفي المنظومة الصحية.

مساكن وظيفية تحولت إلى "إرث عائلي"

يتعلق الأمر بعدد من المساكن الوظيفية الموزعة بين منازل وفيلات، أغلبها تقع داخل المستشفيات أو بجوارها، خُصصت في وقت سابق لأطر صحية بهدف تمكينهم من أداء مهامهم بشكل أفضل، خاصة خلال فترات المداومة والاستعجال.
لكن المفارقة أن هذه المساكن، التي كانت وسيلة لتيسير العمل، تحولت بمرور الوقت إلى ملكية شبه خاصة، إذ استمرت عائلات الموظفين السابقين في استغلالها، حتى بعد تقاعدهم أو وفاتهم، في غياب أي تدخل من الوزارة لاسترجاعها.

ويشير مهنيون إلى أن بعض هذه الأسر تتصرف في السكن كما لو كان إرثًا عائليًا، في وقت تُحرم فيه أطقم جديدة، في أمسّ الحاجة إلى الاستفادة من هذا الامتياز، بسبب غياب الوعاء العقاري أو ارتفاع كلفة السكن في محيط المؤسسات الصحية.

غياب الحزم يثير الاستياء

تساؤلات عدة تُطرح حول أسباب غياب الحزم الإداري من قبل وزارة الصحة، التي تُتهم بالتقاعس عن فرض القانون واسترجاع هذه السكنيات، رغم وضوح الوضع القانوني.
ويؤكد مهنيون أن استمرار هذا الوضع يُكرّس التمييز بين الأطر، ويُضعف ثقة الموظفين في المؤسسات، خاصة حين يرون أن سكنًا وظيفيًا يمكن أن يُحتل لسنوات دون وجه حق، بينما يظلون مضطرين للتنقل من مناطق بعيدة في ظل غياب حلول بديلة.

الأخطر من ذلك، حسب مصادر مهنية، هو أن بعض هذه المساكن تخضع لتعديلات وتوسعات غير مرخصة، ما قد يشكل خطراً على السلامة، ويطرح تساؤلات حول الرقابة الميدانية.

صمت الوزارة... وقلق القاعدة

في مقابل ذلك، يظل الصمت هو العنوان البارز من جهة وزارة الصحة، التي لم تُصدر أي توضيح أو بلاغ رسمي حول الإجراءات المتخذة بهذا الخصوص، ما يزيد من حدة التوتر داخل الأوساط المهنية التي تطالب بالشفافية والحزم في التعاطي مع الملف.

ويدعو عدد من المهنيين إلى فتح تحقيق إداري شامل حول وضعية المساكن الوظيفية بالجهة، مع العمل على وضع معايير واضحة للاستفادة منها، وربطها بالاستحقاق الوظيفي والمهني، لا بالانتماء أو القرابة.

نحو إصلاح منظومة السكن الوظيفي

القضية تطرح إشكالاً أعمق يتعلق بكيفية تدبير السكن الوظيفي في القطاع العمومي، وغياب إطار قانوني حديث يُراعي متغيرات الواقع الاجتماعي والمهني للأطر، في ظل التحولات التي يعرفها المغرب على مستوى الحاجيات والخدمات العمومية.

ويؤكد المتتبعون أن استمرار مثل هذه الأوضاع يسيء إلى صورة المرفق العمومي، ويدعو إلى مراجعة شاملة تشمل إحداث قاعدة بيانات وطنية للسكنيات، وتفعيل مساطر الإفراغ حين تنتفي الحاجة المهنية.

ويبقى السؤال معلقًا: هل تتدخل الوزارة الوصية لتصحيح الوضع، أم أن هذه الفيلات ستبقى محتلة خارج القانون، بينما ينتظر موظفون جدد حقهم في السكن والكرامة؟