للأغلبية والمعارضة: دروس من فشل ترشيحات هياكل مجلس النواب في موعدها

أعلنت الحكومة قبل أسابيع عن موعد عرض حصيلتها المرحلية لنصف الولاية والتي كانت مقررة اليوم الأربعاء 17 أبريل 2024 بمجلس النواب.

لكن الجلسة تأجلت في آخر لحظة أمس الثلاثاء على بعد ساعات من موعدها الذي كان مقررا اليوم زوالا.

ولئن لم يذكر بلاغ مشترك لرئيس الغرفتين سبب التأجيل إلى وقت لاحق، غير أن مصادر متطابقة كشفت لوسائل الإعلام ومنها بلبريس عن السبب الرئيس في هذا الارتباك المفضي إلى التأجيل.

السبب الذي لا يخرج عن كونه صراع المناصب والامتيازات بين مكونات المعارضة والأغلبية على حد سواء مثير للدهشة .

الغريب أن هذا الصراع المستميث على المناصب يأتي بعد رسالة ملكية واضحة لا تقبل التأويل، وجهها الملك محمد السادس إلى النواب بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان في يناير الماضي.

ولعل أبرز فقرة في الرسالة لم يتأملها بعض النواب جيدا  هي ’’ ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية.’’

وبموازاة ذلك، ينبغي التأكيد على الدور الحاسم الذي يجب أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون، وتكريس ثقافة المشاركة والحوار، وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة’’.

هذا الأمر أعاد الملك التأكيد عليه في رسالة التهنئة التي وجهها إلى الطالب العلمي بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لمجلس النواب يوم 12 ابريل قبل أيام فقط من جلسة الحصيلة المؤجلة.

ومما أكد عليه الملك وختم به رسالته لرئيس مجلس النواب هو ’’ تخليق الحياة البرلمانية، ترسيخا للثقة في المؤسسات المنتخبة".

فالملك يشدد كثيرا على كلمة الثقة التي لم تعد موجودة، او هي  شبه منعدمة وهو معطى تعززه نسبة العزوف عن العمل السياسي خاصة في أوساط الشباب. الذين اقتنعوا ان من يعاكسون الإرادة الملكية لايمكنهم أن يهتموا بمطالب الشباب.

الذين يهدرون الزمن التشريعي من أجل مصالحهم الضيقة لايمكنهم إقناع المواطنين بجدوى خطاباتهم المكررة.

عملية ترشيحات هياكل مجلس النواب المغربي المتأخرة عن موعدها أثارت جدلاً واسعاً، واستياء من قبل المتتبعين للشأن السياسي ، وهو الاستياء الذي رصدته بلبريس على مواقع التواصل، حيث واجهت كل من المعارضة والأغلبية صعوبات في تمرير مرشحيها رغم أن الوقت كان كافيا او هكذا يتصور المؤمنين بالعمل السياسي والديمقراطية.

إن هذا الارتباك والصراعات المندلعة خلال الأيام القليلة الماضية  كفيلة بتعزيز نظرية العازفين عن العمل السياسي الفاقدين للثقة فيه والذين يعتبرونه غاية وليس وسيلة عند البعض ممن يسعى لغنائم ’’ سياسية ’’ضيقة.

فباستثناء الاحرار تأخرت جل الاحزاب ولم تفرج عن لوائحها سوى عشية اليوم، الاستقلال والأصالة والمعاصرة من الأغلبية كما الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية من المعارضة.

لم يراعي بعض النواب الرسالة الملكية التي دعت صراحة إلى تخليق الحياة العامة والبرلمانية، ولم يراعوا الناخبين ولا حتى الفئة التي تتابع المشهد لعلها تقتنع يوما بجدوى الانتخابات.

فماذا جرى ولماذا فشلت هاته الفرق رغم أنها تبدو ظاهريا تنتمي إلى تيار واحد وحزب واحد وهل توجد جيوب مقازمة للإصلاح داخل البرلمان؟

أولاً: جذور فشل المعارضة:

يعود هذا الضعف بحسب مراقبين إلى نتائج الانتخابات الأخيرة التي لم تمنح المعارضة عددًا كافياً من المقاعد أدى ذلك إلى قلة عدد أعضاء المعارضة في اللجان، مما قلل من فرصهم في تمرير مرشحيهم.

فشل أحزاب المعارضة في التوافق على مرشح واحد في بعض اللجان، خاصة المعركة بين الحركة والاتحاد على لجنة العدل والتشريع، يعكس الاختلافات الأيديولوجية بين أحزاب المعارضة وصعوبة التنسيق بينها كما أن المعارضة انهكها مقترح ملتمس الرقابة الشارد الذي تقدم به الاتحاد الاشتراكي منفردا.

لمعالجة هذا الانقسام، يجب على أحزاب المعارضة تعزيز الحوار والتنسيق فيما بينها، وتوحيد مواقفها حول القضايا الرئيسة التي تهم البلاد والعباد.

ثانياً: عقبات واجهتها الأغلبية:

واجهت الأغلبية صعوبات في التوافق على توزيع المناصب في هياكل المجلس هي الأخرى، بسبب  تعدد الأقطاب داخل كل حزب وتنافسها على المناصب دون تغليب الصالح العام اتضح هذا جليا في حزبي الاستقلال والبام وحتى الاحرار عندما اندلع صراع العمودية بمجلس الرباط.

أدى هذا التنافس إلى مفاوضات مطولة وصراعات داخلية وكولسات، مما أخر عملية الترشيحات.

لم تتمكن أحزاب الأغلبية من التوصل إلى آليات واضحة للتوافق على توزيع المناصب، لدى على أحزاب الأغلبية وضع آليات واضحة للتوافق مستقبلا.

أظهرت عملية الترشيحات هاته الحاجة إلى إصلاحات جذرية في طريقة اشتغال النواب، كما أظهرت أن هناك مشكل بنيوي حقيقي تعاني منه النخبة السياسية ببلادنا عليها تداركه ، ويمكن ان تتخذ من الرسالة الملكية خارطة طريق في هذا الشأن.