يكفي التهويل في الترحيب بتصريحات فرنسا، ويجب على الإعلام المغربي أن يكون يقظاً حيال حجم ووزن المملكة، الذي لا يقتصر على بعض التصريحات الرسمية؛ إذ لا تزال فرنسا مطالبة ببذل مزيد من الجهد تجاه المغرب.
فرنسا لم تعبر حتى الآن عن موقف صريح من الصحراء المغربية، وتواصل اعتبار المملكة منافساً في الساحة الإقليمية، معتمدة على لوبي إعلامي قادر على توجيه الرأي العام المغاربي.
الأخطاء الدبلوماسية الفرنسية
ارتكبت فرنسا عدة أخطاء دبلوماسية بحق المغرب، محاوِلة ممارسة الوصاية على المملكة في محطات متعددة، بما في ذلك التدخل في ملفات حقوق الإنسان، وتوجيه المنظومة الإعلامية ضد المغرب، وتحريض المعارضة الداخلية على السلطة.
كما قادت فرنسا حملة تشهير دولية ضد المملكة، اتهمتها زوراً باستخدام برنامج التجسس ضد شخصيات دولية وأوروبية، وكأن فرنسا نفسها لا تمتلك وسائل استخباراتية مماثلة.
سبق أن قادت فرنسا البرلمان الأوروبي لاتخاذ قرار ضد المغرب حول حرية التعبير، في إطار ما يشبه الابتزاز السياسي، فيما تُظهر حقوق الإنسان كوسيلة للتأثير، دون أن يهمها الواقع الإنساني في مناطق النزاع، مثل موت أطفال غزة وحقوقهم الأساسية في الحياة.
استغلال النزاع المفتعل مع الجزائر
تقتات فرنسا من النزاع المفتعل بين المغرب والجزائر حول الصحراء، مستغلة الجزائر كأداة لتقسيم المغرب وتقويض مصالحه، بهدف الحيلولة دون استعادة المملكة لوزنها الطبيعي.
اليوم، يُنتظر من فرنسا تقديم اعتذار عن أخطائها، وإظهار حسن النية بشكل واضح، وإصدار قرار رسمي يعترف بمغربية الصحراء، والامتناع عن أي دسائس تستهدف مصالح المغرب الداخلية والخارجية.
ركائز جديدة للعلاقات المغربية-الفرنسية
يجب أن تُبنى العلاقات المغربية-الفرنسية مستقبلاً على ركائز الثقة والمصداقية والتعاون المشترك، مع توازن المصالح والربح المتبادل، وتجنب الإضرار بأي طرف.
المبالغة في الترحيب بالتصريحات الفرنسية تستدعي إعادة تقييم قدرة الإعلام الفرنسي على التأثير في الرأي العام المغربي، خصوصاً أن حجم الأضرار التي لحقت بالمصالح المغربية لا يقتصر على مواقف ضمنية يمكن معالجتها بسهولة. فرنسا مطالبة الآن بإثبات حسن نيتها، واتخاذ موقف واضح بشأن قضية الصحراء المغربية، والامتناع عن أي مساس بمصالح المملكة.
إشارات غير رسمية ومواقف الملك محمد السادس
ما يؤكد الحاجة لمزيد من التوضيح من فرنسا، هو رفض الملك محمد السادس استقبال مكالمة من الرئيس ماكرون قبل أشهر، وعدم الإشارة إلى أي اتصال آخر، رغم البيان الصادر عن الإليزيه بشأن مكالمة جرت مؤخراً بينهما.
زيارة الأميرات إلى قصر الإليزيه قد لا تتجاوز كونها زيارة خاصة، دون دلالات رسمية، في ظل رفض الملك لدعوة ماكرون لزيارة فرنسا رغم إلحاح الأخير. تعكس هذه الزيارة غير الرسمية أن المغرب لا يكن العداء للشعب الفرنسي، وأن الأزمة قائمة مع الحكومة، وهناك مسائل عالقة تحتاج إلى معالجة قبل عودة الدفء في العلاقات.
أما اللقاء الرسمي بين قادة البلدين، فلا يمكن أن يتم إلا بعد معالجة جوهر الأزمة، وهو الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء، والكف عن الإضرار بالمصالح المغربية.
ضرورة دور إعلامي متوازن
على الإعلام المغربي أن يتحلى بالحذر، وألا يستبق الأحداث بالمبالغة في قبول التحليلات الفرنكوفونية المغلوطة، ويجب أن يكون دوره الضغط على فرنسا لإثبات حسن نيتها، بدلاً من تصفيق التصريحات غير الملزمة.
ينبغي على فرنسا أن تنتبه إلى أن الصحراء المغربية قضية حسمها التاريخ والواقع لصالح شرعية المغرب في أقاليمه الجنوبية.
في ظل غياب توضيح رسمي من السلطات المغربية، لا يجوز الترحيب المبكر بالتصريحات الفرنسية، إذ قد تكون هناك ترتيبات مسبقة قبل قبول أي دفء دبلوماسي، والتي من المتوقع أن تصب في صالح المملكة.
أما الرئيس ماكرون، فلم يتحرك إلا بعد تراجع تأثيره في المشهد الدولي، نتيجة الضغوط المتزايدة من دول مثل إيطاليا وإسبانيا وروسيا والصين وأمريكا وألمانيا وبريطانيا، التي تتسابق على التقارب مع المغرب كمدخل إلى أفريقيا، في ظل تزايد رفض القارة الأفريقية للهيمنة الفرنسية.