لم أكن يوما ضد تنظيم المهرجانات ، و لا حتى ضد أي لون غنائي ، و حتى بعض السلبيات التي تطرأ أحيانا بسبب تقصير أو سوء في التنظيم أعتبرها دائما مدخلا نحو محطات مستقبلية أنجح .
لكن ما نعيشه اليوم من إسهال غريب في كم المهرجانات المنظمة عبر أقاليم المملكة ، بما في ذلك عدد من القرى و المداشر التي تعيش واقعا مزريا في كافة مناحي الحياة بها ، يضعنا ، بحق ، و بكل مسؤولية ، أمام واجب الوقوف عند الظاهرة من زاوية الشك المشروع في ما وراء ذلك ، خصوصا في علاقة بوزارة الثقافة و التواصل و الشباب التي باتت تستحق تسمية وزارة المهرجانات بما هي، كذلك، ورقة حظ لعدد من الفنانين والفنانات المحظوظين حصرا بإعتلاء جل المنصات دونا عن فنانين كثر يعانون التهميش و الاقصاء ..
ثمة رؤية ، أعتبرها ، قاصرة ، تعتمد، من جهة، الفرجة كمرآة لصورة المغرب الآمن المستقر المتشبث شعبه بالحياة، و من جهة ثانية حركية وزارة، بوزير شاب، مختزلة في البحث عن الجمهور بأسرع وسائل الاستقطاب عبر العصور: الطبل و المزمار أو الطبل و الغايطة كما نقول بعاميتنا المغربية الجميلة .. رؤية ، تنشد بكل إصرار ، تبخيس كل ما هو جدي بأفق يؤسس للمستقبل، عبر تسويق ممنهج للميوعة و فراغ الفكر كعنوان للنجاح والشهرة ، بما يصاحب ذلك من جوانب مرتبطة بنوع من المصالح الشخصية و الانتخابية.
هل نبخس الوزير حقه حين نتحدث عن وزارة المهرجانات و غياب الثقافة ؟ قد لا يكون الامر بالصورة السوداء ، لكن الوضع رمادي في بعده الثقافي، إذ ليس هناك أي تصور أو فعل حقيقي مرتبط بأدوار الوزارة، سواء ما يتعلق بالكتاب و التشجيع على الابداع الادبي و النشر، رواية أو شعرا أو أبحاثا تغني الخزانة الثقافية ببلادنا، أو ما يتعلق بالمسرح، السينما، المراكز الثقافية، تشجيع الطاقات الشابة، صناعة الفعل الثقافي، دعم المهرجانات الثقافية و الفكرية، و غير ذلك مما هو، قد يكون قائما نسبيا، لكنه وراء ستار مهرجانات عنوانها الموسيقى و الرقص كهدف لا كوسيلة .
هل هي قراءة يشتم منها رفض الحياة في صورة الفرح الجماعي الذي تخلقه عدد من المهرجانات الناجحة وطنيا و دوليا؟ قطعا لا ، لكن الشيء اذا زاد عن حده انقلب الى ضده ، و الحال ان سؤال الميزانيات الضخمة المخصصة لهذه المهرجانات و نسبتها من تلك المخصصة لباقي أوجه تدخل و فعل الوزارة يطرح نفسه بكل موضوعية .. اليوم هناك خلل بين ، و وقفة تقييم لأربع سنوات من عمر هذا القطاع في الحكومة الحالية لا شك يستدعي كثيرا من التقصي و البحث لوقف النزيف … نزيف بأشكال و ألحان متعددة …. و لون واحد .