ما الذي جعل رجوع الجمهور الى المدرجات يدخل فجأة اهتمام الحكومة ؟؟
ما علاقة رئيس الحكومة الذي دخل منذ مدة زوبعة الاحتجاج الشعبي على خلفية غلاء المعيشة بعودة الحياة للملاعب الرياضية ؟؟ و هل تم استحضار كافة الأبعاد والاعتبارات في صياغة هذا القرار ؟؟
اولا : إن تدبير ملف عودة الجماهير للملاعب لا يتطلب فقط الاحاطة بالمؤشرات الوبائية المتعلقة بكورونا ، بل إن الأمر يستلزم أيضا وعيا استراتيجيا وسياسيا شاملا تندرج ضمنه بالاساس المعرفة الجيدة بسلوكات وفكر الفيراجات .. (les virages) ، أي الإلمام الكامل بعقلية الجماهير ، وعلى الخصوص بعقيدة فصائل الالتراس و التتبع الدقيق لردود أفعالهم السابقة و تلك المرتبطة باللحظة الاجتماعية والاقتصادية الراهنة التي تمر منها البلاد ..
وبناء على هذه المعرفة، يجب التساؤل حول ردود فعل تلك الفصائل المحتملة بين الرفض او الاستجابة للقرار المذكور ، باعتبار أن مواقفها غالبا ما تحاول التغريد خارج السرب لإظهار توجهها المستقل ومصداقيتها أمام قواعدها الواسعة ..
ثانيا : غير خاف أن اقتصاد المغرب يعبر حاليا مرحلة عسر بعد ارتفاع سعر المحروقات على الصعيد الوطني على اثر اسعار السوق العالمي ، و بعد تفشي غلاء المعيشة ببلادنا بصورة متسارعة ، وبعد دخول الموسم الفلاحي مرحلة جفاف تكاد تكون غير مسبوقة مع ما يمكن أن يستتبعها من شح متزايد في نسبة ملء السدود و مياه السقي وتلك الصالحة للشرب .. ناهيك عن المخلفات المباشرة للحرب التي تشنها روسيا على اوكغرانيا التي تعتبر أكبر مصدر عالمي للقمح والذرة والشعير ، وما يمكن أن يترتب عنها من أزمات في كثير من البلدان ومن ضمنها المغرب واشتعال في أسعار المواد الاولية والغاز والاسواق والبورصات العالمية ..
ثالثا : هذه الاضطرابات الاقتصادية التي تهدد اقتصاد كثير من الدول ستترك ولا شك -اليوم وغذا - آثارا سلبية على القفة اليومية للمواطن المغربي رغم اقدام الحكومة على تبني جملة من الاجراءات التقشفية للتخفيف من وطأتها .. و ليس من المغالاة في شيء أن يستشعر الناس كثيرا من القلق ازاء تدهور الطاقة الشرائية وازاء تمدد سرطان الغلاء في كل المواد الضرورية المرتبطة بمعيش المواطن اليومي ..وهي أزمات مزلزلة ضربت ايضا أسعار الكهرباء والبنزين ومستويات المعيشة اليومية في مجموعة من البلدان الأوروبية نفسها ..!!!
وفي خضم هذه التفاعلات لوحظ خروج شرائح من المواطنين إلى الشارع العام للاحتجاج السلمي ضد موجات الغلاء المستفحلة، بل عاين المراقبون على مواقع التواصل الاجتماعي حدة الانتقاد اتجاه سياسة الحكومة ورئيسها السيد عزيز اخنغوش الذي تشهر في وجهه كل يوم ورقة المطالبة بالرحيل لاسيما على منصات التواصل الاجتماعي ..
فما هي دلالات الصورة المتداولة للسيد رئيس الحكومة وهو يستقبل السيد فوزي لقجع بصفته رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بعد السماح بعودة النشاط الكروي ؟؟
أكيد أن البطولة الوطنية تأخرت كثيرا في استئناف نشاطها ومعانقة الجمهور الرياضي ، خلافا للعديد من دول الجوار وأوروبا .. ومن ثمة فان قرار الحكومة السماح بعودة الحياة للمدرجات يعتبر تطبيعا مع القاعدة المتبعة دوليا وإقليميا .. وتبعا لذلك فالصورة توحي بانخراط الحكومة في الشأن الرياضي الجماهيري .. تماما كما أنها تعطي الانطباع بمحاولتها التخفيف من ضغط الانتقاد والاحتجاجات العمومية ..
لكن السؤال لا يطرح على مستوى إعادة الدينامكية للنشاط الكروي في حد ذاته ، فذلك كان مطلبا مشتركا لجميع الأندية والمناصرين للفرق بالمغرب والأسرة الرياضية ، بل الإشكال يلتصق بتبعات هذا القرار على مستوى تداعياته الجماهيرية المحتملة ، في ظل وجود أزمة اقتصادية استثنائية بكل المقاييس تضرب العالم بأكمله .. والمغرب بالطبع لا يمكن أن يشكل الاستثناء !!
اليوم و الحكومة تستعد لفتح أبواب الملاعب على مصراعيها أمام الجماهير العريضة ،(- ولا شك - أن ذلك سيتم على قاعدة فرض شروط ضبطية وصحية معينة مثل الادلاء بجواز التلقيح والتباعد وارتداء القناع ) ، في ظل وضع أقتصادي يتميز بالهشاشة ، كيف يمكن مقاربة السيناريوهات المحتملة لمواجهة تجمعات بشرية شبه منظمة قد تشرف عليه الفصائل القوية والمعروفة بملاعب الدار البيضاء والرباط وفاس وطنجة وتطوان وغيرها .. وهي المجموعات التشجيعية التي تتميز بعض المرات بحدتها في مواجهة القوة العمومية وحمولتها الاحتجاجية المنتظمة وقدرتها على التحشيد والاستقطاب وتجربتها الطقوسية ( تيفوهات ورسائل سياسية واستعمال الشهب النارية … ) التي تتعارض مع مقتضيات القانون 09-09 ؟؟
في سياق تلك الاحتمالات .. ينبغي أن نتساءل .. الثا يمكن أن ينتقل الاحتجاج من المدرجات نحو الشارع العام بكيفية قد تمس بشروط استتباب الأمن العام ؟؟
ألا يمكن أن ترفع الحناجر بأغاني وأناشيد خارجة عن النص قد تكون أقوى تنديدا و أشرس مضمونا ضد الحكومة و ضد قيم التعايش المجتمعي المشترك ، علما أن ترديد الأغاني بشكل جماعي يصعب احتواءه و ضبطه من طرف السلطات الامنية ، خلافا لما يحدث في حالة رفع البرقيات messages والتيفوهات ذات المضامين السياسية التي يمكن حجزها ومصادرتها بعين المكان قبليا أو بعديا و كذا التحري حول المسؤولين عنها ؟؟
إن مجرد سقوط نادي محلي كبير بملعبه وامام حشود مناصريه أو اقصاء المنتخب المغربي - لا قدر الله - من المشاركة في كأس العالم 2022 ، يمكن أن يشكلا شرارة لانطلاق مشاعر جماعية ذات نزوعات عنيفة قد تمس بطمأنينة و سكينة المواطنين بهذه المدينة أو تلك ، علما أن ثقافة الاحتجاج ضد غلاء المعيشة لا تحتاج إلى مبررات ترتبط بالانهزام الكروي وحده ، بل إن خطورتها تتجلى في الغموض والالتباس بخصوص الجهة المدسوسة التي قد تدخل على الخط لتوظيف الملعب والمشهد الكروي والظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة من أجل تحريك شرائح من الجمهور و الدفع بها نحو ركوب مطية المجهول داخل المدرجات أو خارجها بالشارع العام بعد انتهاء المباراة ..
واذا كان منطق الكرة يفترض الانتصار اوغ الهزيمة ،فإن نجاح المنتخب الوطني من عدمه في الوصول إلى نهائيات كأس العالم بقطر يبقى فرضية مزدوجة وواردة ، لكن الاخفاق في حد ذاته - في حضور الجماهير الغفيرة بمركب محمد الخامس - من شانه أن يضع الكرة المغربية في عين العاصفة وأن يضاعف من النقد والسخط الجماهيري في اتجاه التصعيد لسخونة المطالب الاجتماعية والاقتصادية .
ماذا لو تاخر قرار فتح ابواب المنشآت الرياضية في وجه المشجعين قليلا حتى أواخر شهر مارس المقبل تزامنا مع إسدال الستار عن المواجهة الكروية الحاسمة ضد غينيا الاستوائية ؟ ساعتها ستكون مخاطر انزلاقات الملعب Risques قد تم تحييدها بصورة مرئية أكثر plus visible بعيدا عن أية مغامرة ضبابية غير محسوبة الخواتم ..
تلك الأخطار المحتملة تقودنا إلى التساؤل حول مدى وجاهة توقيت الإعلان عن عودة الجماهير إلى الملاعب ؟؟ وهل استحضر هذا التوقيت كافة السيناريوهات المحتملة و بالعمق والتمحيص الكافيين ؟؟
وهل رجوع المنافسات الكروية الوطنية إلى الواجهة يضمن بالتاكيد تحييد أصوات الاحتجاج حول غلاء المعيشة وحول الأداء الحكومي أو العكس ؟؟
ألا يشكل الملعب في حد ذاته بؤرة لتجميع أكبر عدد من المشجعين ( مرتين في الاسبوع ) قد يوحدهم التذمر الجماعي ازاء الوضعية المعيشية المتفاقمة في ظل اكراهات السياق الدولي الضاغطة ؟؟
يقولون أن اسئلة الاستباق والحذر تضيء الطريق دون أن تحرق مثل شمس الشتاء ..!! ويقولون أيضا مائة سؤال مقلق أفضل من جواب يراهن على اليقينية المفرطة ..
الله يحفظ بلادنا على الدوام .. عاش المغرب .. و عاش الملك ..