مساء يوم الاحد المقبل 11 يوليوز 2021 سيكون الملعب الشهير في العالم الذي يحمل اسم ويبلي بلندن مسرحا لنهاية كأس اوروبا للأمم ، والتي ستجمع بين منتخبي انجلترا وايطاليا تحت قيادة طاقم تحكيمي يترأسه الهولندي بورغ كوبرز ، في مواجهة تعتبر من أعتى المواجهات الكرويةً التي لن تعرف المهادنة والتي ستخطف بالتاكيد انظار الملايين من عشاق الكرة عبر العالم .
فاذا كان النقل التلفزي لهذه المباراة التاريخية سيسجل ارقاما قياسية غير مسبوقة على مستوى المتابعة الجماهيرية ، فان ملعب ويبلي سيحتضن جمهورا كبيرا يصل الى 60000 متفرج ، بما يعني ان حصة الاسد من التذاكر قد تم تخصيصها لجماهير الإنجليز الذين باتوا يحلمون بانتزاع الكاس الاوروبية للمرة الاولى في تاريخ بلادهم الرياضي ، في حين ان عددا جد محدود من التذاكرً لايتعدى 1000 ( ألف ) تم وضعه رهن اشارة الجامعة الايطالية لفائدة الجمهور القادم من هذا البلد وذلك لاسباب امنية وصحية طارئة .
وحسب الموقع الرسمي للاتحاد الاوروبي UEFA ، فان ثمن التذاكر الذي خصص للنصف نهائي كان 195 اورو للصنف الثالث و 595 اورو للصنف الاول ، في حين وصل ثمن التذاكر في مرحلة النهائي الى 295 اورو للصنف الثالث و 945 اورو للصنف الاول . الا ان بعض المواقع الاعلامية الاوروبية تحدثت مؤخرا عن كون الثمن الادنى من السقف السالف الذكر ، سبق تحديده من طرف نفس الاتحاد بصفة معقولة كان لا يتجاوز 95 اورو ، موضحة ان بعض المواقع التي تشتغل على اعادة بيع التذاكر ، قامت حاليا برفع الثمن الادنى ليرتقي الى 3800 اورو ، ثم ارتفع هذا الثمن في منصات بيع أخرى ليصل الى 20.000 اورو ، في ضرب صارخ للضوابط التي تحدد قوائم الاثمان المتعلقة بتذاكر المسابقة الاوروبية !!
ومن جانب آخر وفي سياق مشاعر الفخر والحماس التي اجتاحت انجلترا عقب التاهل للنهاية الاوروبية امام الدنمارك تحت اشراف المدرب الصامت غاريث ساوثغيت ( 51 سنة ) , افادت جريدة l ‘ Equipe الفرنسية ان الجماهير الانكليزية قدمت عريضة جماعية بموقع البرلمان البريطاني تحمل 135.000 توقيعا تلتمس من خلالها إعلان يوم ما بعد المقابلة كيوم عطلة رسمية من اجل السماح للمواطنين بالخروج في حالة فوز انكلترا امام ايطاليا - الى شوارع العاصمة للاحتفال بالكأس الذي سيحمل على متن حافلة مكشوفة ويرفع من طرف عناصرالمنتخب ، وهو الطلب الذي يفترض قبليا موافقة البرلمان التي قد تصطدم بواقع الخطورة الناجمة عن تفاقم الوضع الصحي جراء انتشار سلالة Delta عبر كافة التراب البريطاني .
وجدير بالذكر ان سلطات البلد المستقبل لم ترخص للعدد الجماهيري المشار اليه لحضور القمة النهائية ، الا بعد نقاشات مطولة تمخض عنها اتخاذ حزمة من الاجراءات الاحترازية اتسمت بالصرامة على مستوى التنظيم الامني والصحي في علاقته بولوج المنشئة الرياضية من طرف المشجعين وكذا بكيفية حماية وتاطير المكونات البشرية للمنتخبين المتباريين قبل الوصول الى ويبلي وعند المغادرة .
واذا كانت التشكيلة الايطالية قد اثارت الانتباه بالاعتماد على جيل جديد من اللاعبين مشكل في أغلبه من الشباب الذين استأثروا بثقة المدرب القدير روبرطو مانشيني ، الذي اعاد صياغة تركيبة المنتخب بشكل متوازن فتح المجال ايضا لبعض العناصر المجربةً من امثال جورجيو كليني وليوناردو بونتشي ، فانها استطاعت ان تقدم عرضا تقنيا قويا في لقاءاتها السابقة ، وتمكنت بعد ضربات الترجيح من اقصاء خصم تاريخي من حجم الفريق الوطني الاسباني !!
اما منتخب الأسود الثلاثة فقد تحدى في مواجهات قوية جدا - و بتشكيلة منسجمة تتميز بالصمود و الاندفاع والحيوية - مجموعة من المنتخبات لايستهان بها من امثال كرواتيا اسكتلاندا والتشيك والمانيا واوكرانيا ثم الدنمارك، ليبلغ المباراة النهائية .
في أفق متابعة صدام الجبابرة يوم 11 يوليوز ، ماهي اذن أبرز الخلاصات التي يمكن الوقوف عندها ونحن نقترب من توديع المنافسة الاوروبية للامم ؟؟
— قليل من المحللين كان يتكهن بخروج الفرنسيين والالمان والبرتغال والبلجيكيين والتشيك من البوابة الضيقة ، ويبدو ان القرعة التي وضعت المنتخبات الثلاثة الاولى ضمن مجموعة الموت الى جانب هنغاريا، لم تجعل الحظوظ كلها الى جانبها ، سيما منتخب الديكة الذي غادر السباق انطلاق من دور ثمن النهاية دون مجد يذكر او أداء يشكر ، خصوصا امام السويسريين الذين خلقوا المفاجأة المدوية ، الامر الذي خلف زوبعة قوية لدى الراي العام الفرنسي كادت تعصف بالمدرب ديدي ديشان لولا تشبت رئيس الجامعة الفرنسية لكرة القدم بخدماته وتجديد الثقة فيه مؤخرا في افق الاستعداد لكأس العالم قطر 2022 ، في حين مازال مستقبل جواغيم لاوف مع المنتخب الالماني غامضا و كذا مصير مدربي بلجيكا والبرتغال !!
— امام القوى الكروية التقليدية لم تستطع منتخبات من قبيل روسيا واوكرانيا وهنغاريا وكرواتيا واسكتلندا وازربدجان .. مواكبة ايقاع التنافس المرتفع وسرعان ما حملت حقائبها وعادت أدراجها دون ان تترك أي اثر تاريخي على مجريات هذه الكأس ، كما هو الحال ايضا بالنسبة للمنتخب الهولندي الذي تراجع مستواه كثيرا في السنوات الاخيرة ، في الوقت الذي لعبت الدانمارك اوراقها الكروية كاملة كحصان أسود حقيقي كاد يقلب طاولةً التوقعات على بعض العمالقة بما فيهم الانجليز . !!
— تبعا لما كان منتظرا في زمن السلالات الوبائية المتحورة وعلى رأسها Delta ، عرفت الملاعب المحتضنة للمنافسة الاوروبية نسبة ملء متفاوتة حسب نظام الاجراءات الاحترازية التي اعتمدتها كل دولة ، الا ان الاقبال الجماهيري على مدرجات مجموعة من المنشئات الرياضية كان على العموم لابأس به في ظل الاكراهات المعروفة ، في حين شهدت مناطق المشجعين Fan Zone حضور اعداد محدودة بفعل صرامة البروتوكولات الصحية التي أولت الشارع العام اهمية خاصة .
.— الى حد الساعة والعالم يترقب النهاية الحاسمة، لم يعلن المنظمون والسلطات العمومية بالدول التي احتضنت المباريات عن حدوث وقائع ذات خطورة ، حيث لم تتخلل افراح الجماهير بالملاعب او بمناطق المشجعين اية انزلاقات او افعال ذات صبغة إجرامية من شأنها تهديد السكينة والامن العامين .
لكن يبقى ضروريا الاشارة الى الاخبار التي تداولتها الصحافة الدولية حول لجوء الاتحاد الاوربي يوم الخميس 8 يوليوز 2021 الى فتح تحقيق حول بعض السلوكات المخالفة للقوانين الرياضية والتي صدرت عن الجمهور الانجليزي ، ويتعلق الأمر باستعمال الشهب النارية و le pointeur lazer لازعاج حارس المرمى الدنماركي اثناء تنفيذ ركلات الترجيح ، لكن الامر الأكثر حساسية هو لجوء الجمهور المحلي للصفير الجماعي اثناء اداء النشيد الوطني الدنماركي ، بالنظر الى ما يحمله هذا التصرف من عوامل مثيرة للاستفزاز والاهانة بين الشعوب , مما قد يعرض الجامعة الانجليزية لعقوبات محتملة .!
⁃ على صعيد التقييم الكروي المحض , فمن المؤكد انه لن يغيب عن نزال النهائي طغيان القوة البدنية والالتحامات الجسدية التي تميز الهوية الكروية للطرفين ، مع تميز الخط الدفاعي للانجليز بالتحمل الدفاعي بزعامة هاري ماغواير وبن تشلويل ، و تفوق عناصره في الكرات الطويلة والعالية و في سرعة الارتداد الهجومي بقيادة كل من رحيم سترلينغ والعميد هاري كاين الذي قد تخمد ديناميته قليلا ولكنه لا ينسى في الوقت المناسب لتلمس الطريق الى الشباك ، بينما لا تفتقر عناصر المنتخب الايطالي الى الصلابة الدفاعية بقيادة جورجيو كليني والى القوة على مستوى وسط الميدان بقيادة فيراتي و الى الاختراق الهجومي بواسطة وجوه شابة مبهرة أمثال كييزا و ايموبيلي !!..
- وفي اطار التقييم العام للاجواء التي طبعت مختلف المباريات ، يبدو ان السلطات الامنية بالمدن الاوروبية المحتضنة للمنافسات ، قد نجحت لحد كبير ولحد الآن في تدليل الصعوبات والتحديات المختلفة المترتبة عن التدفقات البشرية المتنوعة الجنسيات التي حجت الى مختلف الملاعب ومناطق المتفرجين ، في ظرفية صعبة تتميز بتصاعد خطر المتحور Delta ، حيث تم تنزيل تدابير مشددة تتعلق بالعزل لمجموعة من المسافرين وفحص الاوراق الطبية للجماهير والمتعلقة باجراء الفحوصات واللقاحاتً. مع تخصيص نظام للنقل عبر القطارات والحافلات لتامين تنقل المشجعين من جنسيات مختلفة من والى المطار مرورا بالفنادق ووصولا الى الملعب .
ومع ذلك ينبغي التاكيد على ان إنجاز المهمة الامنية الاخيرة للاتحاد الاوروبي واجهزة الامن بمناسبة الوصول الى المحطة النهائية ، تبقى من الرهانات الصعبة التي بجب خوضها دون أدنى خطأ من طرف قوات الامن البريطانية بكافة تشكيلاتها النظامية ، و على رأسها فرق الاستعلامات العامة التي يوكل اليها عادةً في مثل هكذا احداث كبرى، البحث عن المعلومة الاستراتيجية وتوظيفها بالسرعة المطلوبة من اجل تحقيق الاستباق ، باعتبار اهمية تحييد الاخطار الناجمة عن احتمال وقوع تصادم وتبادل للعنف بين جمهور المنتخبين ، وذلك قبل وبعد المقابلة وساعة الاحتفالات الليلية بالشارع العام خصوصا قرب المطاعم والحانات .
كما انه من المنتظر ان تستحضر القيادات الامنية البريطانية ومعها الخبراء الاوربيون العاملون في اطار التعاون الامني المشترك ، احتمالات الخطر الارهابي داخل أجندتها الميدانية ، باعتبار ان لحظة اختتام هذه القمة الكروية لابد ان ترقى خطط الترتيبات الأمنية الى قمة اليقظة والانتشار والتجند ، ليس فقط داخل وجوار الملعب، بل بكافة احياء وشوارع عاصمة الضباب لندن !!
و بالنظر الى فرضية فوز منتخب الأسود الثلاث في معركة التتويج امام الطاليان الملقبون بالآزوري , في حضور جماهير محلية غفيرة ، فان التخطيط والتعبئة الأمنيان سيعرفان ذروة الاشتغال ، خصوصا اذا سمحت السلطات المختصة للمنتخب الانجليزي بالطواف بالكأس عبر شوارع لندن على متن الحافلة المكشوفة في حضور الالاف من العشاق والمشجعين ، في اليوم الذي يلي المقابلة والذي قد يعلن يوم عطلة .
كما ان امكانية انتصار تشكيلة الطاليان داخل ملعب ويبلي تبقى واردة ايضا بحكم مميزاتهم الفنية وقدراتهم التكتيكية ، والأكيد أن هذا الاحتمال لن ينقص في شيء من الأعباء الموكولة لمصالح الامن ، بل ان احتمال اطلاق الايطاليين العنان لأفراحهم واحتفالاتهم ليلا بأهم شوارع العاصمة اللندنية سيكون له أيضا تداعياته ونصيبه من التبعات والاكراهات الامنية والصحية !!
وأخيرا لمن ستقرع أجراس التتويج ؟ هل لرفاق هاري كاين الذين لم يفوزوا سابقا ولو مرة واحدة باللقب الاوروبي ، ام لزملاء جورجيو كيليني الذين سبق لهم الظفر مرة واحدة ببطولة اوروبا سنة 1968 ؟؟