تقرير يرصد فجوة بين التحديات البيئية والعمل الجمعوي بالمغرب

رغم التوسع اللافت في النسيج الجمعوي بالمغرب، حيث يفوق عدد الجمعيات المسجلة 187 ألفًا، إلا أن نسبة الجمعيات العاملة في المجال البيئي لا تتعدى 4.2%، وفق ما كشفه تقرير حديث صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، وتطرح هذه النسبة المتواضعة تساؤلات حقيقية حول مدى تفاعل المجتمع المدني مع التحديات البيئية المتزايدة التي تواجهها المملكة، خاصة في ظل الأزمات المرتبطة بالماء والطاقة والغذاء.

ورسم التقرير الذي أنجز في إطار مشروع “جسر التحول الأخضر العادل”، خريطة دقيقة لـ 100 منظمة بيئية تنشط في مختلف جهات المغرب، وتوزعت اهتماماتها بين قضايا عامة وأخرى أكثر تخصصًا، مثل العدالة المائية، والانتقال الطاقي، والسيادة الغذائية.

وقد أظهر أن حوالي نصف هذه المنظمات تشتغل على مواضيع بيئية شاملة، فيما تركز البقية على قضايا محددة كالطاقات المتجددة أو المياه أو التغير المناخي، مع ملاحظة تقاطع بيئي-ثقافي في بعض التجارب.

أما على مستوى الفئات المستهدفة، تتجه غالبية المنظمات نحو عموم السكان، بينما تخص 23 منظمة أنشطتها بالشباب، و10 تشتغل مع النساء، خصوصًا في المناطق القروية والهشة. هذا التوجه يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية إشراك الفئات المتأثرة بالتغيرات المناخية في جهود التحسيس والتعبئة.

وتعزز المعطيات الرسمية هذا الطرح، إذ تشير أرقام 2019 إلى وجود 528 جمعية لكل 100 ألف نسمة، وتتصدر جهات الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، فاس-مكناس، ثم الرباط-سلا-القنيطرة التوزيع الجهوي.
غير أن التقرير يؤكد أن الحضور البيئي داخل هذا الكم الهائل من الجمعيات يظل محدودًا، مما يكشف عن فجوة واضحة بين حجم التحديات المناخية وطبيعة التفاعل الجمعوي معها.

كما أبان الرصد الميداني عن أولوية كبرى توليها المنظمات البيئية لإشكالية الولوج إلى الماء، حيث ركزت 28 منظمة من أصل 51 على هذا المحور، مقابل 17 منظمة اهتمت بالانتقال الطاقي، و6 فقط بالسيادة الغذائية، مما يعكس مركزية أزمة الماء في الوعي الجمعوي البيئي، خاصة مع ما تعانيه البلاد من شح متزايد وتراجع خطير في الموارد المائية.

واستند التقرير إلى دعوة وطنية أطلقت سنة 2023 واستهدفت المنظمات المحلية ذات المشاريع البيئية أو التنموية ذات الصلة، كما تم تنظيم ثلاث مشاورات ميدانية بكل من طنجة وأكادير وجدة، بمشاركة 75 فاعلًا مدنيًا، لم تتجاوز نسبة النساء بينهم 23 بالمائة، ما يعكس بدوره تحديًا آخر يتعلق بالتمثيلية داخل الفضاء الجمعوي البيئي.

فيما كشفت المشاورات  عن عدة إكراهات، أبرزها ضعف الإطار التشريعي، ونقص التنسيق، واعتماد البلاد بشكل كبير على استيراد الطاقة الأحفورية.

كما طرحت تحديات ترتبط بالسيادة الغذائية، كتقلص الأراضي الزراعية والاعتماد على البذور المستوردة، بالإضافة إلى مشاكل بنيوية في تدبير الموارد المائية، وغياب الرقابة على جودة المياه الجوفية.

وأجمعت توصيات الفاعلين على ضرورة تفعيل القوانين البيئية، وتحفيز الزراعة التقليدية، وتوسيع الاستثمار في التحلية وإعادة التدوير، وكذا إشراك المجتمع المدني في رسم السياسات العمومية ذات الصلة.

من جانب آخر، تطرق التقرير إلى إشكالية تأخر تحديث الإطار القانوني المنظم للجمعيات، حيث لا يزال يخضع لظهير يعود إلى سنة 1958، وهو ما لا ينسجم مع مقتضيات دستور 2011، خصوصًا في ما يتعلق بمشاركة الجمعيات في صنع وتتبع السياسات العمومية، كما تنص على ذلك المادة 12.

وفي هذا السياق، أوصى التقرير بضرورة ملاءمة القوانين الوطنية مع المستجدات الدستورية، وتعزيز الشفافية، وتسهيل الولوج إلى التمويلات الدولية والوطنية على حد سواء.

ويخلص التقرير إلى أن المغرب، رغم ما راكمه من استراتيجيات بيئية ومشاريع مناخية، لا يمكنه تحقيق تحول بيئي عادل دون تقوية دور الفاعلين المحليين، والاستفادة من كفاءات المجتمع المدني، الذي أبان عن قدرة فعلية على التوعية والتأطير واقتراح البدائل، لكنه لا يزال في حاجة ماسة إلى دعم مؤسساتي وتشريعي وتمويلي أكبر، حتى يكون شريكًا حقيقيًا في مسار التنمية المستدامة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *