لا تكاد تمر دقائق على الإفطار في رمضان، حتى يعلن المدمنون على تدخين السجائر ومخدر “الحشيش” النفير العام لمغادرة منازلهم وشققهم والغرف التي يكترونها للخروج إلى الشارع وخرق الحظر الليلي، ليس لاستنشاق هواء نقي أو هربا من الملل، وإنما لوضع حد ل”القطعة” التي لا تحتمل التأجيل، قبل العودة لإتمام الإفطار.
ولا تتوقف حكاية المدمنين مع الخروج إلى الشارع عند سماع الأذان لرشف سيجارة أو تدخين ملفوف “الجوان” من مخدر الحشيش، وإنما تتواصل عدة مرات، إذ بعد الدخول إلى البيت والجلوس إلى مائدة الإفطار رفقة العائلة، سرعان ما يخرج “المبلي” بعد التسريع في عملية الإفطار، فبالنسبة إليه إشباع إدمانه أهم من ملء بطنه ووضع حد للجوع والعطش، الذي كان عليه أثناء الصيام.
الساعة تشير إلى الثامنة والنصف مساء، المحلات التجارية مغلقة والشارع خال من المارة، فالجميع متحلق حول مائدة الإفطار ومشاهدة التلفاز رفقة العائلة والأحباب، وانضباطا لقانون الطوارئ بملازمة البيت تنفيذا لقرار الحظر الليلي، إلا أن المدمنين على استهلاك المخدرات وتدخين السجائر لا يهتمون بالقانون، خاصة بالأحياء الشعبية بالعاصمة الاقتصادية للمملكة.
تمر الثواني والدقائق إلى أن تشير الساعة إلى العاشرة والنصف ليلا، ومازالت الحركة غير عادية لأشخاص تحدوا القانون والسلطات الأمنية، من أجل تنظيم جلساتهم اليومية لتقاسم “جوانات” تم تعديلها ولفها في أوراق للتبغ، قبل التناوب على تدخينها أو ووضع “الكالة” داخل الأفواه.
“دور ليا قبل ما يوقفوا علينا مالين الوقت”، “أجيو نتكيفو وريحوا فالزناقي باش ما نتصدافوش مع البوليس”، واهبط أصاحبي ما كاين لا بوليس لا والوا كاع الدراري خارجين وجيب معاك الستون المعلوم باش نتنغموا”، من بين العبارات التي يتم تداولها يوميا من قبل المدمنين الذين رغم انهماكهم في تدخين الحشيش إلا أنهم على أتم الاستعداد للفرار في حال مرور دورية للشرطة.
ويلجأ المدمنون إلى حيل لتفادي ضبطهم في الشارع واعتقالهم، ففي عدد من الأحياء الشعبية بالبيضاء، يضطر مستهلكو السجائر والحشيش إلى الخروج للشارع بعد تناول وجبة الإفطار ومرة أخرى بعد تناول العشاء للبقاء، متسمرين خلف الجدران وبجانب أبواب العمارات والمنازل، في انتظار أن يحين موعد السحور، لكن باستبدال أماكن التجمع التي يتحلقون فيها بعد أن بلغ إلى علمهم أن عددا من الجيران يتصلون بالشرطة لفض تجمعات عشوائية تعتبر فضاء للفوضى والمنحرفين وتحرم سكان الأحياء من الهدوء.
ويلتزم مستهلكو المخدرات بالحيطة والحذر، إذ قبل الشروع في الجلوس القرفصاء أو التحلق، يقومون بالتناوب في عملية تفحص وجوه المارة أو استراق سماع أصوات السيارات التي يركنها أصحابها العائدون من عملهم، حتى لا يقعوا ضحية لمخبر أو رجل شرطة، يمكن أن يكون قريبا من المدمنين. وحينما يتأكدون من أن المار أمامهم لا يشكل خطرا عليهم يواصلون عملية “لف الجوان” وتقاسم تدخينه بالقول “كمل أصاحبي راه البوليس ماغايجيوش للزناقي خلينا مستونين”.
“جري على دوك الدراري الصغار صداعهم غياولي منوض علينا النحل ونتفرشوا مع مالين الوقت”،… إذ يحرص المدمنون على طرد فئات المراهقين والقاصرين، الذين يخرقون الحظر الليلي كل مساء وهم ينظمون مسيرات ليلية، مضمونها الغناء ورفع شعارات رياضية والتلفظ بكلمات نابية والقيام بحركات تسبب الفوضى، قبل الفرار إلى وجهة مجهولة.
ورغم الحملات الأمنية التي تستهدف التجار ومستهلكي المخدرات أو المتمردين على إجراءات الطوارئ الصحية، إلا أن المدمنين يغامرون بحريتهم، فهم مستعدون للموت بفيروس “كورونا” والذهاب إلى السجن، مقابل عدم التخلي عن البلية وأيضا لرغبة البعض الآخر في البحث عن وسيلة لتعويض “القطعة”، بسبب إجراءات الطوارئ الصحية والحظر الليلي، التي أغلقت معها المقاهي والملاهي والفضاءات العامة وألزمت المواطنين وذوي العقول النيرة بالبقاء في البيوت وعدم مغادرتها، إلا للضرورة القصوى، بالتوفر على شهادة التنقل الاستثنائية، بينما يرى أصحاب “البلية” أجواء السمر التي اعتادوها في ليالي رمضان منذ سنوات خلت، لا يمكن القطع معها في زمن “كورونا”.
المصدر: يومية الصباح