في سياق يتسم بضعف المؤشرات التنموية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة في جهة بني ملال-خنيفرة، يبرز قرار الجهة بتخصيص مبلغ يقارب مليوني درهم لشراء أربع سيارات لنقل الأشخاص كخيار يستدعي التوقف عند أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذا القرار لا يعكس فقط اختلالاً في أولويات الإنفاق العام، بل يكشف أيضاً عن إشكالات أعمق تتعلق بمنطق تدبير المال العام وآليات اتخاذ القرار في المؤسسات المحلية.
وتم إجراء صفقة شراء أربع سيارات لنقل الأشخاص بموجب مناقصة دولية مفتوحة برقم 09/RBK/2025، حيث كانت الشركة الوحيدة المشاركة هي "شركة وصال أوتو" من مدينة الراشيدية، والتي فازت بالصفقة بقيمة إجمالية بلغت 1,998,000 درهم (شاملة الضريبة).
وجاءت عملية فحص العروض واختيار المتعهد من قبل رئاسة لجنة لـ"المارشيات" ، حيث تم التأكد من مطابقة المبلغ المقدم مع شروط المناقصة دون أي تحفظات أو منافسة أخرى. وقد تمت عملية فتح الأظرفة في 11 يونيو 2025، وأُعلنت النتائج النهائية في 17 يونيو 2025 بعد انتهاء أعمال اللجنة.
على الرغم من أن الصفقة تمت وفق الإجراءات القانونية، إلا أن غياب المنافسة يثير تساؤلات حول مدى تشجيع الجهة للمشاركة الواسعة في مثل هذه المناقصات.
كما أن عدم وجود أي شركات أخرى مقدمة للعروض أو حتى مرفوضة يطرح علامات استفهام حول شروط المناقصة ومدى جاذبيتها للمستثمرين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن توقيت الصفقة وحجم الإنفاق في منطقة تعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة يجعلها محل انتقاد، خصوصاً في ظل عدم وضوح المعايير التي جعلت شراء السيارات أولويةً في وقتٍ يحتاج فيه السكان إلى استثماراتٍ تنمويةٍ عاجلة.
ويرى فاعلون مدنيون بالجهة، أنه "من الناحية الاقتصادية، يشكل هذا الإنفاق استنزافاً للموارد المالية التي كان من الممكن توجيهها نحو مشاريع ذات أولوية، كتحسين البنية التحتية الصحية أو دعم أنشطة مدرة للدخل".
ففي جهة تعاني من ضعف الأنشطة الاقتصادية وتراجع الاستثمار، يصبح من غير المبرر صرف مبالغ طائلة على وسائل نقل بينما تفتقر العديد من المناطق إلى أبسط الخدمات الأساسية. كما أن غياب المنافسة في هذا المناقصة، حيث كانت شركة واحدة فقط هي المتقدمة والفائزة، يطرح تساؤلات حول شفافية الإجراءات وفعالية آليات الرقابة على الصفقات العمومية.
وعلى المستوى الاجتماعي، وحسب نفس المصادر لـ"بلبريس" فإن الأمر يعمق هذا القرار الشعور بالتهميش لدى سكان الجهة، خاصة في ظل تنامي المطالب المحلية بتحسين ظروف العيش. إن تخصيص الموارد لشراء سيارات فاخرة في وقت يعاني فيه المواطنون من نقص الخدمات يرسل رسالة سلبية حول أولويات المسؤولين، مما قد يزيد من اتساع الفجوة بين الإدارة المحلية والسكان. كما أن هذا التوجه يعكس غياب رؤية تنموية واضحة تقوم على معالجة الاحتياجات الحقيقية للمجتمع.
وترى مصادر متطابقة لـ"بلبريس"، أن هذا القرار يكشف عن ضعف آليات المشاركة المجتمعية في صنع القرار، فغياب أي نقاش عمومي حول أولويات الإنفاق، وعدم إشراك الفاعلين المحليين في تحديد الاحتياجات، يجعل مثل هذه القرارات تبدو مفروضة من فوق دون مراعاة للسياق المحلي. كما أن عدم وجود رقابة فعالة من قبل المجالس المنتخبة أو المجتمع المدني يفتح الباب أمام تكرار مثل هذه الممارسات التي تتعارض مع مبادئ الحكامة الجيدة.
وحسب المصادر نفسها، فيتجاوز الأمر مجرد صفقة لشراء سيارات ليكشف عن إشكالات هيكلية في تدبير الشأن المحلي. فضعف التخطيط الاستراتيجي، وغياب الرؤية التنموية، وإهمال المشاركة المجتمعية، كلها عوامل تساهم في استمرار اختلال أولويات الإنفاق. ما حدث في بني ملال-خنيفرة ليس سوى نموذج لأزمة أعمق تتطلب مراجعة شاملة لآليات اتخاذ القرار وتوزيع الموارد على المستوى المحلي، بما يضمن توجيهها نحو الأولويات الحقيقية للسكان.