سحب العلم الإسباني يعيد توتر “جزيرة ليلى” إلى الواجهة

في خطوة غير مسبوقة، سحبت السلطات الإسبانية علمها الوطني من جزيرتي “تيرا” و”مارا”، الواقعتين قبالة الساحل المتوسطي المغربي بالقرب من مدينة الحسيمة، في إجراء وصفته الصحافة المحلية بـ”غير المتوقع”، ويفتح الباب أمام تكهنات بشأن مستقبل هذه المناطق المحتلة.

ويعيد الحدث، الذي أوردته صحيفة لاراثون الإسبانية، إلى الواجهة توتراً دبلوماسياً ظل قائماً في الخلفية منذ حادثة جزيرة “ليلى” (بيريخيل) سنة 2002، حين دخلت البحرية الملكية المغربية إلى الجزيرة، ما أدى حينها إلى تدخل عسكري إسباني لاستعادة السيطرة، وسط وساطة أميركية جنّبت البلدين مواجهة عسكرية مباشرة.

ورغم غياب أي تصريح رسمي يشرح خلفيات القرار، تتساءل الأوساط الإعلامية والسياسية في مدريد عما إذا كان الأمر يعكس تحولاً في موقف الدولة الإسبانية من هذه الجزر الصغيرة، أم أنه مجرد إجراء إداري لا يرقى إلى مستوى التغيير السياسي في وضع السيادة.

توتر قديم يعود إلى السطح:

الجزيرتان، شأنهما شأن عدد من الجيوب الإسبانية قبالة السواحل المغربية، ارتبط اسمهما في الأذهان بالتوتر المزمن الذي شاب العلاقات الثنائية، خاصة بعد أزمة جزيرة ليلى في يوليوز 2002، حين قامت القوات المغربية برفع العلم الوطني فوق الجزيرة، لترد مدريد بعملية عسكرية واسعة استعادت من خلالها السيطرة على الأرض، وأسرت ستة جنود مغاربة، قبل أن تُنهي الولايات المتحدة التوتر بتفاهم أعاد الوضع لما كان عليه قبل الحادثة.

ذلك النزاع، الذي وُصف حينها بأنه “الأزمة الصامتة التي كادت أن تنفجر”، كشف عن مدى هشاشة التعايش السياسي بين الجارين، وأظهر حجم الحساسية التي تكتسيها ملفات السيادة، سواء على الجزر أو المدن المحتلة كسَبتة ومليلية.

تصريحات مثيرة من أثنار:

تزامن المستجد مع عرض فيلم وثائقي جديد تحت عنوان “ليلى، الحرب التي لم تقع”، كشف خلاله رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه ماريا أثنار عن كواليس تلك المرحلة، متحدثاً عن عرض فرنسي مفاجئ تقدم به الرئيس الراحل جاك شيراك، يقضي بتسليم سبتة ومليلية إلى المغرب، في سياق البحث عن حل دبلوماسي لتفادي التصعيد.

وقال أثنار، الذي بدا مندهشاً من الطرح، إنه رفض بشكل قاطع الاقتراح الفرنسي، واعتبره “تدخلاً غير مقبول في الشؤون الخارجية لإسبانيا”، مضيفاً أن باريس كانت آنذاك ميالة بوضوح للموقف المغربي، وهو ما يشير إلى توازنات دولية كانت أكثر مرونة مما توحي به مواقف العلن.

عرض أمريكي رفضته مدريد:

وفي تطور آخر، كشف وزير الدفاع الإسباني الأسبق، فيديريكو تريو، أن الولايات المتحدة عرضت خلال تلك الأزمة تمكين المغرب من الجزر الجعفرية وجزيرة باديس، في محاولة لاحتواء التصعيد، غير أن مدريد رفضت المقترح “بشدة”، مؤكدة أن السيادة على هذه الجيوب غير قابلة للتفاوض.

هذا العرض، الذي جاء في إطار تدخل واشنطن لنزع فتيل الأزمة، يُبرز حجم الأهمية الجيوسياسية التي تكتسيها تلك الجزر بالنسبة للطرفين، إذ لا تزال تخضع للسيطرة الإسبانية رغم قربها الجغرافي الكبير من السواحل المغربية، وخضوعها لمراقبة عسكرية مكثفة.

هدوء ظاهري.. وتوازنات متغيرة:

رغم الهدوء الظاهر في العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة، تبقى ملفات الجيوب المحتلة، بما فيها جزيرتا “تيرا” و”مارا”، ضمن مناطق التوتر القابلة للانفجار، خاصة في ظل السياق الإقليمي المتحول، وعودة النقاش الدولي حول الاستعمار البحري والحدود الموروثة عن الحقبة الكولونيالية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *