في سياق دبلوماسي دقيق، يواصل المغرب تكثيف تحركاته على الساحة الدولية، استعدادًا لجلسة مجلس الأمن المرتقبة حول قضية الصحراء المغربية.
ويأتي اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة بنظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ليعزز من أهمية المرحلة، خاصة أن روسيا ستتولى رئاسة دورة مجلس الأمن المقبلة، وهو ما يضع موسكو في موقع محوري للتأثير في مخرجات النقاش الأممي.
ويكتسي اللقاء رمزية مضاعفة بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين الرباط وموسكو، وما يميزها من توازن وحذر استراتيجي، فالمغرب، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، اختار نهج سياسة متوازنة بين الغرب وروسيا، ما منحه مصداقية لدى الطرفين، وفتح أمامه هامش مناورة أوسع في ملف الصحراء.
هذه السياسة، التي يمكن وصفها بـ”الاعتدال العقلاني”، جعلت الرباط تراهن على تعزيز قنوات التفاهم مع روسيا دون خسارة شركائها التقليديين في الغرب.
وفي ظل التغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن تحمله التحركات المغربية من مكاسب في هذا التوقيت، خاصة في ضوء الزخم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، وتنامي الأصوات الداعمة لوضع حد للنزاع المفتعل حول الصحراء.
وفي تصريح خص به “بلبريس”، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات، عصام العروسي، أن “لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الروسي هو مهم جدًا في هذا التوقيت بالذات، خاصة أن جلسة مجلس الأمن حول قضية الصحراء المغربية قريبة، وروسيا باعتبارها ستتولى رئاسة دورة المجلس المقبل”.

وأضاف العروسي أن هذا اللقاء يمثل تثبيتًا للموقف المغربي مع روسيا، مذكرًا بأن الدبلوماسية المغربية تعاملت مع موسكو بمرونة وعقلانية في ملف الحرب الأوكرانية، عبر “عدم الوقوع في خطأ دعم الغرب بشكل مطلق، واختيار مسك العصا من الوسط، بما يتيح للمغرب تحقيق أهدافه في قضية الصحراء المغربية”.
وأشار المتحدث إلى أن الرهان المغربي يتجلى في دفع روسيا نحو استيعاب حقيقة الموقف المغربي ومبادرة الحكم الذاتي، مؤكداً أن “التسوية السياسية أصبحت مستحيلة، لأن البوليساريو والجزائر لا يملكان ما يقدمانه سوى المعارضة والتمسك بخيارات لم يعد لها أي وجود”.
وفي تقديره، قد يشمل ذلك الدفع في اتجاه “تغيير بعثة المينورسو مستقبلاً لتحل محلها بعثة أممية تدعم مبادرة الحكم الذاتي”.
وشدد العروسي على أن بوريطة سيسعى كذلك إلى إيصال رسالة واضحة لموسكو حول المخاطر الأمنية التي تمثلها جبهة البوليساريو في المنطقة، باعتبارها “مليشيا انفصالية تزعزع الاستقرار الإقليمي”، وهو ما من شأنه أن يعزز حجج المغرب أمام شركائه الدوليين.
كما أبرز أن روسيا، بحكم مصالحها الاستراتيجية مع المغرب، ولا سيما الاقتصادية منها، قد تجد نفسها أقرب إلى الرباط من الجزائر في هذا الملف، قائلاً: “إذا ما تبين لموسكو أن المكاسب الممكنة مع المغرب أكبر بكثير من تلك التي تحققها عبر مساندة الجزائر، فقد تعيد النظر في تموقعها التقليدي”.
وخلص العروسي إلى أن “قضية الصحراء وصلت الآن إلى مرحلة النهاية، في ظل الإجماع الدولي حول مبادرة الحكم الذاتي، والاعترافات المتزايدة عبر فتح قنصليات في العيون والداخلة، بالإضافة إلى الإرادة الدولية الواضحة في إنهاء هذا النزاع المفتعل”.