كشف تقرير حديث صادر عن جمعية Citoyens عن معطيات صادمة تؤكد وجود أزمة ثقة حقيقية بين الشباب المغربي والمؤسسات المنتخبة، إذ أظهر أن سبعة من كل عشرة شباب لا يثقون في المسؤولين المنتخبين أو في الهيئات العمومية.
ووصف التقرير، الذي حمل عنوان “كيف ينظر الشباب للمشاركة المدنية؟”، هذه النسبة بأنها مؤشر بالغ الخطورة على اتساع الفجوة بين الجيل الجديد وبنية القرار السياسي، محذراً من أن استمرار هذا الوضع قد يهدد جوهر الممارسة الديمقراطية ويضعف أسس المشاركة السياسية في المستقبل القريب.
وأفاد التقرير بأن “هذا التراجع في الثقة لا يتجلى في مظاهر الصدام أو المواجهة المباشرة، وإنما في الانسحاب التدريجي من الفضاء العام، حيث يختار الشباب الصمت والابتعاد عن الشأن السياسي، مقتنعين بأن أصواتهم ومبادراتهم لن تُحدث أي فارق ملموس”.
وأشار التقرير أيضا إلى أن “ضعف قنوات التواصل بين المؤسسات والشباب يمثل سبباً محورياً في ترسيخ هذا الانفصال، حيث يواجه الشباب صعوبات في الوصول إلى المنتخبين أو الحصول على إجابات مقنعة لأسئلتهم، ويشعر كثير منهم بأنهم يُعاملون كفئة تحتاج إلى “التأطير” أو “التوعية” أكثر من اعتبارهم شركاء حقيقيين في صنع القرار، وهو ما يعكس علاقة عمودية لا أفقية، تتسم بعدم التكافؤ في تبادل الرأي والتأثير”.
وسلّط التقرير الضوء على التناقض بين الحضور القوي للشباب في الفضاء الرقمي، وغياب المؤسسات عن هذا المجال، إذ أظهرت الأرقام أن 68 في المائة من الشباب يستخدمون المنصات الرقمية للتعبير عن آرائهم في القضايا السياسية والاجتماعية، لكنهم نادراً ما يتلقون تفاعلاً أو رداً من الجهات الرسمية”.
ووصف التقرير هذا الوضع بـ”الصمت الرقمي”، معتبراً أنه “يعمّق الإحساس بالتجاهل ويضعف الرغبة في اللجوء إلى القنوات المؤسسية للمشاركة”.
في قراءته لهذه المعطيات، أكد الدكتور علي الشعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، في تصريح خص به “بلبريس” أن أزمة الثقة الحالية ليست معزولة عن سياق أوسع من التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي”.
وأوضح أن “هذه التحولات، التي مست الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، أفرزت جيلاً أكثر وعياً بحقوقه وأكثر حساسية تجاه الوعود غير المنجزة، مما جعل استقطابه أصعب من أي وقت مضى”.
وأضاف الشعباني أن الانتخابات، باعتبارها محطة حاسمة في الحياة السياسية، تكشف بوضوح هذه الهوة بين الشباب والمؤسسات، حيث تنشط الأحزاب والهيئات السياسية في حملات الاستقطاب، لكنها غالباً ما تفشل في مخاطبة واقع الشباب الفعلي، متجاهلة التحولات القيمية التي طرأت على المجتمع.
واعتبر أن الشباب اليوم يقرأ المشهد السياسي بعين نقدية، مستحضراً تجارب سابقة من وعود لم تتحقق ومشاريع أُطلقت دون أن يكون لهم فيها دور فعلي أو فرصة للتأثير.
وشدد الشعباني على أن فقدان الثقة لا يعني اختفاءها كلياً، لكنه يعكس تراجعاً خطيراً في المصداقية، سواء تجاه الخطاب السياسي أو تجاه المؤسسات القائمة على تنفيذه.
وخلص إلى أن “استعادة هذه الثقة تتطلب مساراً طويلاً من الإصلاحات الجذرية التي تمس طريقة التواصل، وآليات المشاركة، والأهم من ذلك، القدرة على تحويل الأقوال إلى أفعال ونتائج ملموسة يشعر بها الشباب في حياتهم اليومية”.