الشيات يبرز رسائل الملك للجزائر في خطاب العرش

جدد الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة عيد العرش، التأكيد على الموقف المغربي الثابت تجاه الجزائر، مقدماً رسالة متعددة الأبعاد تجمع بين الأخوة الصادقة الموجهة للشعب، والدعوة البراغماتية الصريحة الموجهة للدولة، وهو ما يعكس رؤية استراتيجية متجذرة في التاريخ والجغرافيا والمستقبل المشترك.

رسالة إلى “الشعب الشقيق”: فصل الروابط الإنسانية عن الخلاف السياسي

في توجه مباشر ومؤثر، خصص الملك الجزء الأول من رسالته للتأكيد على عمق الروابط الإنسانية، حيث قال: “موقفي واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك”.

ويرى المحلل السياسي خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن هذا الخطاب موجه في اتجاهين، أولهما نحو الشعب الجزائري مباشرة.

ويشير الشيات إلى أن حرص الملك على وصف الشعب الجزائري بـ”الشقيق”، بل وسبق أن وصف الشعبين بـ”شعب واحد” في خطابات سابقة، هو تأكيد على أن الخلافات السياسية لا يمكنها أن تطغى على الروابط الحضارية والدينية والإنسانية القوية. وبهذا، يحرص المغرب على أن يظل الخطاب الرسمي على أعلى مستوى خطاباً أخوياً، يفصل بشكل واضح بين الشعب والدولة.

دعوة للدولة: البراغماتية والعقلانية لمواجهة التحديات المشتركة

خالد الشيات

أما المستوى الثاني من الخطاب، فيتجه نحو الدولة الجزائرية، حيث يتبنى لغة براغماتية وواضحة. فقد أكد الملك أن المغرب “حرص دوماً على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبر عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين”.

ويفسر المحلل خالد الشيات هذا التوجه بأنه نابع من إيمان المغرب الراسخ بأن بناء الاتحاد المغاربي هو “بناء استراتيجي”، وأن هذا البناء “لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر”. الدعوة هنا، حسب الشيات، هي نداء إلى العقلانية والتوافق لإيجاد آليات عملية وفعالة لبحث كافة القضايا العالقة. إنها رسالة تؤكد أن التحديات التي تواجه البلدين مشتركة، وأن مواجهتها بشكل منفرد أمر غير مجدٍ، وأن الطريق الوحيد للمضي قدماً هو الحوار والتوافق.

مسؤولية تاريخية ورؤية استراتيجية

في المحصلة، يمثل الخطاب الملكي أكثر من مجرد تكرار لمواقف سابقة؛ إذ يعكس مسؤولية تاريخية وحضارية يتحملها المغرب تجاه امتداده الطبيعي. وكما لخص الشيات، فإن هذا النهج المزدوج يندرج في إطار إدراك المغرب بأنه لا يمكنه الدخول في صراعات استراتيجية مع دولة تعتبر جزءاً من فضائه الحضاري.

وهكذا، تبقى اليد المغربية ممدودة، ليس فقط من منطلق الأخوة، بل أيضاً من رؤية استراتيجية ترى في الوحدة المغاربية ضرورة حتمية، وفي كون الحوار الصريح والمسؤول هو السبيل الوحيد لتجاوز “الوضع المؤسف” الحالي، وبناء مستقبل مشترك يليق بتاريخ وعلاقات الشعبين الشقيقين.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *