أثار استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للكاتب والروائي الجزائري رشيد بوجدرة تساؤلات عديدة حول دلالاته السياسية، خاصة وأن هذه الشخصية الأدبية سبق أن أحدثت جدلا واسعا بتصريحاتها الصريحة حول الصحراء المغربية.
يحتفظ الروائي الجزائري رشيد بوجدرة بمكانة متميزة في المشهد الأدبي العربي والفرنكوفوني، لكن ما يميزه أكثر هو جرأته في التعبير عن قناعاته السياسية بصراحة نادرة.
ففي تصريحات مدوية أدلى بها عام 2019، خلال حوار صحفي، أكد بوجدرة بوضوح تام أن “الصحراء مغربية والتاريخ يقول ذلك”، مضيفا أن “العقلية في الدولة وحتى في السلطة الجزائرية تغيرت وتسير نحو اعادة العلاقات الى مسارها الصحيح وفتح الحدود”.
وذهب الكاتب الجزائري في الحوار ذاته، أبعد من ذلك عندما توقع انتهاء قضية الصحراء قريبا، مؤكدا أن “التاريخ يؤكد أنها مغربية”.
هذا الموقف الجريء من شخصية أدبية جزائرية معترف بها دوليا يحمل وزنا رمزيا كبيرا، خاصة في ظل الموقف الرسمي الجزائري المناقض تماما.
ويرى بوجدرة أن العلاقات بين الشعبين المغربي والجزائري تبقى متميزة رغم التوترات الرسمية، مؤكدا أنه “حين يأتي الى المغرب يحتفى به من قبل الناس ومن قبل الاصدقاء، ونفس الامر بالنسبة للمغاربة في الجزائر”.
ولم يفت بوجدرة حينها التعبير عن امتنان المساعدات التي قدمها المغرب وتونس أثناء ثورة التحرير الجزائرية، قائلا إن “المغاربة والتونسيين لهم دين على الجزائر منذ الثورة وبدونهم لم يكن لينجح الثوار”. هذا الاعتراف بالجميل يعكس نضجا سياسيا وتاريخيا يتناقض مع الخطاب الرسمي الجزائري الحالي.
رسائل الاستقبال والأسئلة المشروعة
ويطرح استقبال الرئيس تبون للكاتب بوجدرة تساؤلات جوهرية حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة.
فهل غير بوجدرة موقفه من قضية الصحراء المغربية؟ أم أن الرئيس الجزائري يبعث برسائل مشفرة تتضمن مغازلة للرباط؟ أم هي مجرد مناورة من تبون ورسالة للداخل بأن مواقف المثقفين لا تمنع من استقبالهم ؟
يأتي هذا الاستقبال في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد قضية الصحراء المغربية زخما دوليا متواصلا لصالح الموقف المغربي.
كما يأتي بعد أيام قليلة من تصريحات مفاجئة للرئيس تبون أقر فيها بدعم بلاده للبوليساريو بمليارات الدولارات، مما يطرح تساؤلا مشروعا: هل يسعى تبون للتخلص من الجبهة وتبعاتها وكلفتها التي لم تقدم أي شيء طوال عقود؟
ويكتسب هذا التطور أهمية إضافية في ضوء التغيرات الأخيرة في المشهد الدولي، خاصة مع تغير موقف أحد أعرق أحزاب جنوب أفريقيا على لسان الرئيس الجنوب أفريقي السابق والحليف السابق للجزائر جاكوب زوما.
هذا التحول في المواقف الدولية يضع الجزائر في موقف معقد يتطلب إعادة نظر في استراتيجيتها الإقليمية.
ويبدو أن استقبال تبون لبوجدرة يحمل رسائل متعددة المستويات. فمن جهة، قد يشير إلى محاولة احتواء الأصوات المثقفة المخالفة للخط الرسمي، ومن جهة أخرى قد يعكس تحولا تدريجيا في المقاربة الجزائرية تجاه ملف الصحراء المغربية.
والأرجح أن الوقت وحده كفيل بكشف الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة التي تأتي في ظرفية إقليمية ودولية متغيرة تميل بوضوح لصالح الموقف المغربي في قضية الصحراء.