حمل اللقاء الأخير لأحزاب الأغلبية الحكومية دلالات عميقة تتجاوز التنسيق الحكومي المعتاد إلى رسم ملامح المشهد السياسي المقبل. فتوقيت اللقاء، عشية تعديل حكومي مرتقب، وطبيعة الخطاب السياسي للقيادات الحزبية، يكشفان عن استراتيجية متكاملة تهدف إلى تعزيز التحالف الحالي وتمهيد الطريق نحو الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
يمثل حرص رئيس الحكومة عزيز أخنوش على تأكيد تماسك الأغلبية رسالة واضحة للداخل والخارج. فمن جهة، يطمئن شركاءه في التحالف الحكومي بأن التعديل المرتقب لن يمس بالتوازنات القائمة، ومن جهة أخرى، يقطع الطريق على أي محاولات لاستثمار هذا التعديل في خلق شروخ داخل الأغلبية.
ويبدو لافتاً التركيز المشترك لقادة الأحزاب الثلاثة على الملفات الاجتماعية والاقتصادية. فتشديد نزار بركة على مواجهة المضاربين ومحاربة "الجشع التضخمي"، واعتراف المهدي بنسعيد بوجود أزمة تواصل حكومي، يعكسان وعياً بنقاط الضعف التي قد تؤثر على شعبية الأغلبية، وحرصاً على معالجتها قبل الاستحقاقات المقبلة.
كما يكشف الإجماع حول القضايا الوطنية، وخاصة ملف الصحراء المغربية والموقف من القضية الفلسطينية، عن محاولة لتعزيز شرعية التحالف الحكومي وتقديمه كضامن للثوابت الوطنية. فانتقاد المواقف الأوروبية والأممية من قضية الصحراء يضع الأغلبية في موقع المدافع القوي عن المصالح الوطنية.
ولعل أبرز ما يميز هذا اللقاء هو التنسيق المبكر بين مكونات الأغلبية، والذي يتجاوز التدبير اليومي للعمل الحكومي إلى التخطيط للمستقبل السياسي. فالدفاع المشترك عن الحصيلة الحكومية، والتركيز على الإنجازات في مجال الحماية الاجتماعية، يشكلان نواة للخطاب الانتخابي المقبل.
يبقى نجاح هذه الاستراتيجية مرهوناً بقدرة الحكومة على تحقيق نتائج ملموسة في الملفات الاجتماعية والاقتصادية الحساسة، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بالتشغيل والقدرة الشرائية. فالاعتراف بوجود أزمة تواصل يجب أن يتبعه تحسين حقيقي في آليات التواصل الحكومي وتقريب السياسات العمومية من المواطنين.
وفي المحصلة، يبدو أن أحزاب الأغلبية قد بدأت مبكراً في رسم خارطة طريق 2026، معتمدة على تماسك داخلي قوي وخطاب سياسي متناغم، لكن الرهان الأكبر يبقى على قدرتها على ترجمة هذا التماسك إلى إنجازات تلمس حياة المواطنين وتعزز ثقتهم في المشروع السياسي للتحالف الحكومي.