الفساد يخرج من الظل بعد سحب قانون الإثراء غير المشروع!

فجرت قضية "إيسكوبار الصحراء" فضيحة فساد سياسي ثقيل، خرج من الظل إلى دائرة الضوء ، وفضحت شخصيات سياسية نافذة وبارزة، أبطالها متهمين على ذمة المتابعة تحت حالة الاعتقال، بأمر من قاضي التحقيق بإستئنافية الدار البيضاء.

 

وقد أثيرت هاتهه القضية، جراء ما ترتب من توسيع دائرة الاتهام، بعد سقوط تاجر المخدرات المالي، الذي كشف عن تورط شخصيات في تهم تخص جرائم تبييض الأموال، قصد تطهير الأرباح المحققة بطريقة غير مشروعة، وإخفاء الثورة من دائرة الشبهة.

 

ورغم الجرأة القضائية، التي امتلكت الشجاعة لتكريس مكتسبات دستور 2011 للمملكة المغربية، بعد أن أقر فصل السلط، والإرتقاء بالسلطة القضائية، وإقرار قاعدة سيادة القانون؛ إلا أن قضاء الاتهام، لا يتمتع بخاصية قضائية، تمنحه الصلاحيات للمساءلة حول مصادر الثروة، والبحث والتحقيق بشأنها.

 

فتحريك الدعوى العمومية لم يكن تلقائيا، بخصوص متابعة بعض الشخصيات السياسية في الآونة الأخيرة، إنما ترتب ذلك عن قضايا تهم جرائم أركانها مستقلة، أظهرت وجود اختلالات وعناصرة مكونة للجرائم، تستحق البحث والمتابعة والعرض على أنظار القضاء الزجري.

 

أما بخصوص الإثراء غير المشروع، فيمنح للسلطة القضائية الصلاحية، لمساءلة أشخاص بعينهم يتمتعون بصفة معينة، حول مصادر ثروتهم، دون انتظار وقوع جريمة لتحريك الدعوى العمومية؛ بل بمجرد تحقيق إثراء فاحش، يخول للقضاء البحث حول، ما إن كان مصدر الثروة مشروعا أم غير مشروع.

 

وبالتالي، فإن افتقار المنظومة الجنائية المغربية، لقانون الإثراء غير المشروع، يجعل من دائرة الفساد، خارج التغطية القضائية الزجرية؛ ما يشجع على الفساد، واستغلال النفوذ والحصانة ربما الاعتبارية، لتحقيق مصالح وأرباح شخصية، بطريقة غير مشروعة، ما يدفع المسؤول السياسي إلى الإهتمام بمصالحه، ونسيان تطلعات المواطنات والمواطنين.

فبعد تنامي حدة المتابعات القضائية ضد مسؤولين سياسيين، يتساءل البعض، هل سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع له علاقة بحماية شخصيات أثبت الزمن أنها حققت ثروة مشبوهة؟ بينما كان من الممكن كشفها تلقائيا، لو أنه تم إخراج مشروع القانون المذكور إلى الوجود دون سحبه.

بالرجوع إلى نص الفصل 8-256 من مشروع القانون الذي تم سحبه، فقد حدد مجموعة من الفئات، المشمولة بجريمة الإثراء غير المشروع؛ وهي الملزمة بالتصريح الإجباري للممتلكات طبقا للنصوص التشريعية الجارية، والتي يمكن تعدادها كالآتي:

  • أعضاء الحكومة وأعضاء دواوينهم؛
  • أعضاء المجلس الدستوري؛
  • أعضاء مجلس النواب؛
  • أعضاء مجلس المستشارين؛
  • ؛قضاة المحاكم المالية؛
  • أعضاء الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري
  • منتخبو المجالس المحلية والغرف المهنية وبعض الموظفين أو الأعوان العموميين.

فبعد دستور 2011، تم إعداد مشروع قانون يهم التعديل الشامل لمجموعة القانون الجنائي، قصد مواكبة متغيرات العصر، التي أضحت فيه الجرائم متطورة، بينما التجريم تقليدي متجاوز؛ فضلا عن تطور القانون الدولي، الذي يتطلب ملاءمة التشريعات الوطنية معه، وإقحام قضايا أخرى تهم الإنسانية وحقوق الإنسان، والتكنولوجيا المعاصرة، بالإضافة إلى تطويق جرائم الفساد، بما فيها المالي.

 

فالمغرب يراهن على أن يكون دولة فاعلة دوليا فيما يخص مكافحة الفساد، بما فيه المالي والرشوة، على اعتبار أن السياسات المالية والنقدية المغربية، تعتبر من التجارب الرائدة عالميا، وموثوقة بشهادة الشركاء الدوليين والمؤسسات الدولية؛ إلا أنها تحتاج إلى مزيد من الترشيد، عبر مكافحة الفساد، لتعزيز مصداقيتها، وتحقيق مؤشر التنمية بالنسبة المرجوة.

وفي هذا الإطار، أثير الجدل حول الجدوى من سحب مشروع القانون الجنائي من البرلمان، الذي يضم جريمة الإثراء غير المشروع، حيث تذرع فيه وزير العدل بكون أن الجريمة منافية لأحكام الدستور، الذي يضمن قرينة البراءة، وهو تبرير بذاته غير مشروع؛ أمام التطلعات التي يسعى المغرب لتحقيقها في هذا الإطار.

فقرينة البراءة حق مقدس ومكفول بموجب الاتفاقيات الدولية والدستور المغربي؛ غير أن البحث والتحقيق والمحاكمة أصلا، لا يمس بقرينة البراءة، مادام أن المتهم يتمتع بكافة الضمانات القضائية، بما فيها البراءة، حيث أن المحاكمة تسعى لكشف الحقيقة، لتطهير الشخص موضوع الشبهة من دائرة الاتهام.

 

فقانون الإثراء غير المشروع، يشكل فرصة أمام الثري للخروج من دائرة الشبهة، وبما أنه واثق من براءته؛ فلماذا الخوف من البحث والتحقيق القضائي الذي يسعى أولا وأخيرا لكشف الحقيقة؟ إما للحكم بالإدانة، أو البراءة.

 

إذا فإخراج قانون الإثراء غير المشروع، حماية للمسؤول الذي اكتسب ثروة بطريقة مشروعة من دائرة الاتهام والشبهة المالية؛ كما أنه فرصة لمكافحة الفساد واستغلال النفوذ وجني الأرباح والثروة بطريقة غير مشروعة، وحماية للمالية العامة، وتحقيق التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية.

 

أما سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع، فهو شبهة حول التطبيع مع الفساد، وإخراج للفساد الممنهج من دائرة التغطية القضائية ورادار النيابة العامة، وجعل المال العام وكالة بدون بواب، وفتح المجال لتغول الفساد واستغلال النفوذ؛ فالأصل هو افتراض البراءة، بينما المتابعة تطهير من الشبهة، وليست فقط لأجل الإدانة، فلما الخوف؟