بعد 62 سنة من إصلاح الإصلاح وتعاقب 33 وزيرا على وزارة التعليم وإنفاق الملايير النتيجة ''فشل''منظومة التعليم العمومي
لا شك أن منظومة التربية والتعليم محرك مركزي لنهضة أي أمة، فلا يمكن تصور ثورة فكرية دون ارتفاع منسوب الإدراك والمعرفة داخل المجتمع، فالنهضة الاجتماعية والاقتصادية والصناعية والثقافية والسياسية والفكرية، لا يمكن أن تتحقق بالافتقار إلى المحرك الأساسي لتلك النهضة، دون وجود عقول على وعي بالنهضة المراد تحقيقها، من خلال الأهلية والتكوين والتمكين، من أجل الاندماج في المجتمع والمساهمة في نهضة الدولة.
فالمغرب ومنذ الاستقلال وهو يحاول القيام بنهضة حقيقية وعلى وعي بدور العنصر البشري، حيث ظل يراهن على منظومة التربية والتعليم لتأهيل العنصر البشري ليكون في صلب الحديث النهضوي، غير أن العملية ظلت متذبذبة نظرا لفشل منظومة التعليم رغم المحاولات الكبرى للنهوض بهذا القطاع السيادي والحيوي، بل وقتل شغف الأستاذ قائد هذه الملحمة بتجاهل النهوض بوضعه الاقتصادي والاجتماعي وغلق باب اشراكه في هاته الأوراش.
فوضعية التعليم تزداد تعقيد، بعد الأزمة الحالية التي تهم النظام الأساسي لنساء ورجال التعليم، بعد أن أشعل فتيلها جراء نشر المرسوم الخاص بنظامهم، وهو ما أدى إلى التكتل والاحتجاج ضد النظام الذي اعتبره الأساتذة مجحف، وزاد من تعقيد أزمة التعليم؛ خصوصا وأن المدارس تكاد تكون متوقفة.
فالمنظومة أمام أفق مغلق واحتمالية أن يكون الموسم الدراسي مع سنة البيضاء، بعد خروج تنسيقية الأساتذة لفرض وجودها ندا للحكومة عبر تعطيل المدرسة، مما يطرح أكثر من سؤال حارقا، حول ما الجدوى من 62 سنة من الاصلاح، وما الفائدة من تعاقب 33 وزيرا على رأس القطاع الوصي على التعليم، والتي سجلت انهيار شامل لمنظومة التعليم العمومي، وأزمة تلو الأخرى أبطالها الأوصياء على القطاع؛ خصوصا وأننا نعيش في قرن المعرفة والاعلام والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي صار يصارع ويسارع الإنسان في المعرفة، وبوتيرة سريعة تحتاج إلى مسايرة الإيقاع واللحاق لا التوقف.
فمن المسؤول عن هذا الانهيار؟ وما أسباب هذا الانهيار؟ وهل غياب الإرادة السياسية أدت لهذا الإنهيار؟ أم أن الإصلاحات تتعلق بسياسوية منظومة التعليم؟ ولماذا ظلت أزمة التعليم عالقة؟
فالرجوع بالزمن إلى الوراء، نجد أن التعليم عرف محطات وأوراش كبيرة منذ الاستقلال، تعاقب على الخوض فيها أجهزة حكومية واَليات مؤسساتية، وزراء وكتاب دولة ورؤساء مؤسسات وطنية محدثة لهذا الغرض منه, كما تعاقبت على تدبيرها شخصيات من الوزن الثقيل؛ غير أن النتيجة باءت بالفشل، وتأزمت أكثر من البارح.
وفي هذا السياق، نذكر أسماء وزارء التعليم الذين تعاقبوا على القطاع التربوي منذ الإستقلال إلى الآن، حيث عرفت منظومة التعليم عدة محطات اصلاحية انتهت صلاحيتها مع رحيل واضعيها، نحاول في هذا التقرير المفصل أن نقدم البعض منهم ، وأهم محطات الإصلاح في تاريخ المغرب :
1) محمد الفاسي؛
2) عمر بن عبد الجليل؛
3) عبد الكريم بنجلون؛
4) رشيد ملين؛
5) يوسف بلعباس؛
6) محمد بنهيمة؛
7) عبدالهادي أبوطالب؛
8) حدو الشيكر؛
9) قاسم الزهيري؛
10) عبد اللطيف الفيلالي؛
11)احمد رضا اكديرة؛
12) محمد شفيق؛
13) مامون الطاهري؛
14) أحمد العسكي؛
15) محمد الفاسي الفهري؛
16) الداي ولد سيدي بابا؛
17) عبد اللطيف بنعبد الجليل؛
18) محمد بوعمود؛
19) عزالدين العراقي؛
20) محمد الهيلالي؛
21) الطيب الشكيلي؛
22) محمد الكنيدري؛
23) رشيد بلمختار؛
24) مولاي اسماعيل العلوي؛
25) عبدالله ساعف؛
26) حبيب مالكي؛
27) أحمد اخشيشن؛
28) لطيفة العابدة؛
29) محمد الوفا؛
30) لحسن الداودي؛
31) محمد حصاد؛
32) أمزازي؛
33) بنموسى.
وبالإضافة إلى هذا الفشل المستمر في تدبير أجهر التعليم والأزمات، الذي وصل فيها الوزراء لـ 33 بما فيهم كتاب الدولة؛ إلاّ أن تاريخ المنظومة منذ الاستقلال كان مقرونا بأوراش عامة وعمومية لإصلاح منظومة التعليم، بالتوازي مع هذا الكم من الوزراء وكتاب الدولة المتعاقبون؛ وصلت لـ 14 إعلان ولجنة وسياسة عامة وعمومية استعجالية وبعيدة المدى، لكن دون جدوى في بلوغ الأهداف المرجوة، حيث شملت تلك المحاولات كل من:
1) اللجنة الرسمية لإصلاح التعليم 1957؛
2) اللجنة الملكية لإصلاح التعليم 1958-1959؛
3) المخطط الخماسي 1960 - 1964 (اللجنة المكلفة بإعداد مخطط التعليم؛
4) مناظرة المعمورة 1964؛
5) المخطط الثلاثي 1965 – 1967؛
6) مناظرة افران الأولى (1970) ومناظرة إفران الثانية (1980)؛
7) المخطط الخماسي 1985 -1989؛
8) مشروع الإصلاح 1985؛
9) الهيئة الخاصة لإصلاح التعليم؛
10) الخطاب الملكي 6 نونبر 1995 الذي دعا إلى تشكيل لجنة خاصة للعمل بميثاق؛
11) الميثاق الوطني للتربية والتكوين 1999-2010؛
12) البرنامج الاستعجالي 2012 -2015؛
13) الرؤية الاستراتيجية 2015 -2030.
كل هذا يعني أن الخلل الحقيقي ليس في كل الأعطاب التي حاولت الأوراش الإصلاحية تقويمها، بل في القرار السياسي الذي يرى في التعليم خطرا، وعبئا على الحكومات والاقتصاد العام؛ وبالتالي لا بد من الحفاظ على كل أعطاب التعليم واختلالاته، لخلق أجيال معطوبة ومختلة وقابلة لاختلالاتها ومندمجة فيها، وأستاذ هش وفقير وربما معوز؛ خوفا على التداعيات الاَنية دون الإكتراث للمخاطره المستقبلية.
إن قتل الطموحات والنبوغ وروح التحرر الفكري والعلمي وتفجير الطاقات صار مقبولا، وهو ما يبدو جليا منذ مناظرة إفران الثانية لـ"1980" إلى النظام الأساسي الجديد، والتي أفضت إلى سنة بيضاء محتملة، بعد تعثر خلال فترة كورونا؛ غير أن هذا الوضع سبقته أضحوكة "البغرير" و"الغريبة"، وربما ستصل إلى "البصارة" و"الرفيسة" و"تمبصلت".
كما أن قرار الانغلاق، وغلق باب الحوار السياسي أنهى مع كل المؤشرات الإيجابية المنتظرة في هذا الصدد، بما يخدم المنظومة السياسية والاقتصادية، والقضاء على كل تعليم ينتج للمتاعب بالنسبة لهذه المنظومة، والتي تسعى إلى حماية ذاتها من المزايدات؛ وبالتالي لا بد للتعليم العمومي أن يعيش في حضيض اختلالاته وأعطابه، مع بشير بمزيد التأخر.
أما تجديد هذا النظام وصناعة أطره ونخبه، فيتم بأسلوب داخل أسوار مغلقة، مما يؤكد الاستنساخ لنظرية انتهاء صلاحية الإنسان لـ"Günther Anders" والتي قدم فيها كتاب بسنة 1956 حول إنعكاسات الثورة الصناعية الثالثة على الجدوى من وجود الإنسان، وهي التي طبق في وجه المعلم والتلميذ والمدرسة العمومية.
تعيش منظومة التعليم اليوم أزمة بنيوية ولا يمكن إخفاؤها أبدا، بعد تخبط واضح في التدبير والإجراءات والسياسات التعليمية، المتناقضة مع بعضها البعض، وكأن منظومة التعليم العمومي حاضنة أبناء المغاربة، مجرد فأر تجارب يتم فيه تجريب وصفة لعلها تبدي نفعا، رغم تكلفة الأعراض الجانبية لتلك الوصفات؛ غير أن النتيجة ارتفاع نسبة الأمية بين الشباب، وهي فئة يمكن وصفها بالقنبلة الموقوتة، لا تأطير ولا تكوين ولا نشاط وقابلة للاحتضان والاستقطاب من أي جهة، قد تكون متطرفة.
أما الإحراج الحقيقي هو تديل أسفل الترتيب في مؤشر التنمية، سيما في النقاط المرتبطة بالجانب التربوي والتعليمي والثقافي؛ أما الطامة الكبرى هو استفحال ظاهرة العنف والادمان في المؤسسات التعليمية، وارتفاع الهدر المدرسي والغش في الامتحان، وضعف المردودية.
ثم من يتحمل المسؤولية في تدني ترتيب المغرب في التعليم، هل صحيح أنا هناك لوبي يتحكم في التعليم لصالح المتاجرة بالمقررات والمؤسسات التعليمية الخاصة؟ أم أن هناك من يستفيد من الجهل والأمية؟ وهي الفرضية المستبعدة رغم أنها مطروحة في النقاش وبين الرأي العام المغربي.
إذن السؤال الحارق؛ أين يقع الخلل؟ خصوصا بعد كل الخطط والبرامج والاصلاحات والوزراء والأحزاب التي تعاقبت عى وزارة التعليم، والتي شملت العديد من المقترحات، والعديد من الخبرات، والألوان السياسية، والبروفيلات التقنية على رأس القطاع والأجهزة، إلاّ أن القطاع بقي يسجل تراجعات اليوم نحو المجهول؛ ولماذا يتم قتل رمزية الأستاذ محارب الصف الأول في معركة إصلاح التعليم؟