الدبلوماسية البرلمانية: قراءة في حصيلة الدورة الخريفية

عبد الغني الباهي

باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

تتمتع البرلمانات في العالم بمكانة سياسية، واعتبارات قانونية خاصة، تستمدها بالأساس من الأحكام المنظمة لها في الدستور، وللبرلمان العديد من الوظائف والمهام، ويكتسب من مجموعها أهميته في تنظيم شؤون الداخلية للدولة، فهو يدرس ويناقش، ويقر القوانين، ويصادق على برامج عمل الحكومة ومخططاتها، ويراقب عملها. كما يسهر البرلمان في الوقت ذاته على ضمان التعامل الإيجابي والفعال مع كل قضايا الوطن، وهو بصدد ممارسة عمله يستمد مصداقيته من شرعية صناديق الاقتراع وسلوك الناخب. حيث أضحت البرلمانات في الديمقراطيات الحديثة تتولى بالإضافة إلى وظائفها التقليدية في مجال التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية القيام بأدوار رائدة في مجال العمل الدبلوماسي. فالدبلوماسية البرلمانية في عالم اليوم تضطلع بأدوار مهمة في تطوير العلاقات الدولة الخارجية كونها تمارس من قبل البرلمانيين ممثلي الإرادة الشعبية طبقا لما تفرزه الممارسة الديمقراطية التي تنبني عليها العلاقات الدولية المعاصرة، فضلا عن استقلالية البرلمانيين والقدرة على التحرك بحرية عن الدبلوماسية الرسمية، مما يسهل عملية التواصل فيما بينهم وتبادل وجهات النظر بين مختلف البرلمانات الدولية.

قد أسهمت التطورات المتسارعة والمتلاحقة، وكذا، المتغيرة الإقليمية والدولية تأثيرات متزايدة على الشؤون الداخلية للدول، الأمر الذي دفع البرلمانات الوطنية إلى التدخل على مستوي الساحة الإقليمية والدولية من أجل تقديم مساهماتها في إطار الجهود المبذولة دوليا؛ من أجل تحقيق السلم، والديمقراطية، والأمن، والتعاون، والتنمية الشاملة. وإيمانا بالبرلمان المغربي بأدورة الدبلوماسية، فقد عمل بالتوازي مع الدبلوماسية الرسمية في تحقيق أهداف ومصالح المملكة التي تمر بمنعطف مهم في تاريخها السياسي خاصة فيما يتعلق بوحدتها الترابية، وضرورة مضاعفة الجهود لتصدي ومواجهة مناورات الوحدة الترابية، إن حقيقة الدبلوماسية البرلمانية التي ينتهجها البرلمان المغربي تمثل قوة فاعلة، وأداة مهمة في توفير سبل الاتصال، وتبادل المعلومات، وتنويع العلاقات البرلمانية مع مختلف الشعب ومجموعات الصداقة والتعاون، وتعزيز المواقف وتحقيق المصالح المتبادلة؛ الأمر الذي أعطي له مصداقية علي المستويين الإقليمي والدولي. وقد تجلي ذلك في الزيارات المتبادلة بين البرلمان المغربي وغيره من برلمانات العالم، وهو الأمر الذي يعكس الثقة الدولية في مؤسسات المملكة على رأسها المؤسسة التشريعية. من أجل تعزيز هذه الرؤية، وتحقيقا للمصالح العليا للمملكة، جاءت الدبلوماسية البرلمانية خلال الدورة الأولى من السنة التشريعية 2022-2023 من الولاية التشريعية 2021-2026. متسقة مع التوجهات الدبلوماسية الرسمية، حيث شهدت العلاقات

السياسية لمجلسي البرلمان نشاط دبلوماسيا ملحوظا عبرت عنه مختلف الزيارات الرسمية المتبادلة والاستقبالات ولقاءات العمل والمجاملة أو في إطار مشاركات الشعب الوطنية الدائمة، ووفود مجلسي البرلمان في التظاهرات الإقليمية والقارية والدولية، أو على مستوى تنظيم واحتضان المؤتمرات والندوات.

على مستوي التعاون البرلماني العربي والأفريقي:

تمثل العلاقات العربية والأفريقية ركيزة مهمة من ركائز العمل البرلماني المشترك لمجلسي البرلمان، ويأتي هذا التعاون في ظل حرص جلالة الملك على تعزيز وتطوير العلاقات المغربية الإفريقية والعربية، وتعزيز دور الدبلوماسية البرلمانية للاستعادة الدور الرائد للمملكة على المستويين العربي والأفريقي، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار الدور التاريخي الذي لعبته المملكة في دعم منظومتي العمل العربي والأفريقي المشترك على كافة المستويات والأصعدة. من جهة أخرى كثف البرلمان من عمله الدبلوماسي الثنائي من خلال الزيارات الرسمية والاستقبالات ولقاءات العمل والمجاملة مع عدة وفود يمثلون مؤسسات حكومية وبرلمانات وطنية وشخصيات دبلوماسية إفريقية وعربية، وعلى رأسهم وزير الشؤون الخارجية والإندماح الأفريقي والطوغوليين بالخارج، ورئيسة الجمعية الوطنية لجمهورية مالاوي، رفقة وفد برلماني هام. بالإضافة إلى استقبال رئيس الجمعية الوطنية بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، كما عرفت هذه الدورة احتضان البرلمان المغربي الدورة الثانية للبرلمان الإفريقي لشباب.

علاقة البرلمان المغربي مع نظيرة الأوربي:

من أجل تعزيز التعاون البرلماني بين المؤسستين التشريعيتين في البلدين، فضلا عن بعض القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك. تواصلت الزيارة المتبادلة بين الجانبين، وستقبل البرلمان المغربي زيارة كل من نائب الوزير الأول بجمهورية المجر (هنغاريا)، والوزير الفيدرالي للشؤون الأوروبية والدولية. ورئيس لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة بالجمعية الوطنية الفرنسية.

كما عرفت هذه الدورة عقد البرلمان بمجلسيه لجلسة عمومية مشتركة حول المواقف الأخيرة للبرلمان الأوروبي تجاه المملكة، وبناء عليه قرر البرلمان عقد اجتماع مشترك خصص لمسلسل التقييم الشامل ومتعدد الأبعاد لعلاقاته مع البرلمان الأوروبي وشمل جملة من الإجراءات التدابير المتخذة تمثلت في إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوربي وإخضاعها لتقييم شامل واتخاذ القرارات المناسبة والحازمة؛ مع تبليغ رئاسة البرلمان الأوربي بمحضر الجلسة العمومية المنعقدة متضمنا للمواقف والمداخلات التي تقدم بها رؤساء وممثلو الفرق والمجموعات البرلمانية والبرلمانيون غير المنتسبين؛ مع تبليغ رئاسة البرلمان الأوروبي، أيضا، بالقرارات التي ستتخذ لاحقا من طرف مجلسي البرلمان.

موقفه في القضايا الإقليمية والدولية:

لم يكون البرلمان بمعزل للتعبير عن مواقفه من مختلف القضايا الإقليمية والدولية، في مختلف المناسبات والمؤتمرات واللقاءات الثنائية والمتعددة الأطراف، وإيمانا منه بقضايا الأمة العربية وتسوية القضايا العالقة سواء فيما يتعلق بالصراع بليبيا والأزمة باليمن وغيرها من القضايا الإقليمية وفق مقاربة دبلوماسية تدعم تحقيق السيادة الكاملة واحترام الوحدة الترابية للدول، للحفاظ على أمن واستقرار ووحدة أراضي العربية. وبخصوص القضية الفلسطينية استقبل رئيس مجلس النواب خلال هذه الدورة وفدا من الشخصيات الفلسطينية التي عبرت عن للمجهودات الذي يقدهما المغرب وجلالة الملك لدعم القضية الفلسطينية، والأدوار الرائدة التي تقوم بها وكالة بيت مال القدس الشريف.

العلاقة مع برلمانات دول أمريكا للاتينية:

في إطار تعزيز الدور المحوري للبرلمان في توطيد وتمتين العلاقة الثنائية مع نظرائه في دول أمريكا الوسطى واللاتينية ودول الكاريبي، استقبل البرلمان عدة وفود هامة، وعلى رأسها رئيس مجلس الشيوخ بجمهورية كولومبيا، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الشيلي. بالإضافة إلى وفدا هاما من جمهورية الأورغواي.

العلاقات مع المنظمات والاتحادات البرلمانية:

في إطار علاقتها بالاتحادات البرلمانية العربية والإسلامية شارك وفد برلماني ضمن دورة 17 للاتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، وعرفت هذه الدورة سلوكا سياسا تمثلت في الكلمة سياسية التي ألقتها رئيسة البرلمان الأنديني تطعن في سيادة الدول الأعضاء، مما جعل الوفد المغربي من تصدي للمناورات الجزائرية خلال هذه الدورة، وتعبيره عن استنكاره لما تضمنته الكلمة المذكورة من مس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية وتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

تعد الدبلوماسية البرلمانية الأرضية الصلبة للدبلوماسية الرسمية في غالب الأحيان، أي أنه حينما تعرف العلاقات الدبلوماسية بين دولتين نوعا من التعقد أو الجمود كما هو مطروح في العلاقات المغربية الأوربية بشكل عام والعلاقات المغربية الفرنسية بشكل خاص، يمكن اللجوء والاستعانة بالدبلوماسية البرلمانية بغرض تهيئة الظروف للدبلوماسية الرسمية، لقد شكلت الدبلوماسية البرلمانية خطوة ثابتة نحو تدعيم مسار الواعد التي تحققه الدبلوماسية الرسمية على مختلف الفضاءات الجيوسياسية والقضايا الإقليمية والدولية، وخدمه للوحدة الترابية للمملكة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *