لاشك أن التاريخ الجزائري غاص بالسقطات الديبلوماسية التي يجنيها النظام العسكري الجزائري تباعا، بسبب تبنيه لسياسة التطرف، والجهر بنوايا العداء ضد المغرب، والتي يترجمها النظام بشكل واضح من خلال ردود فعله المعهودة، تفاعلا منه مع علاقات الصداقة التي تجمع المغرب ببعض الدول، والتي كسب على إثرها صفة الشريك الاستراتيجي، حائزا بكل مصداقية على ثقة مختلف التيارات الدولية، ليتوج سلوكه الدولي بالمصادقة على عدة اتفاقيات، ستسهم لا محالة في تحقيق مصالح الرباط.
وبالرغم من أن جنرالات النظام العسكري الجزائري لا يزالون يستشعرون طعم المرارة، من حقيقة كون المغرب آخذ في تطوير علاقاته الديبلوماسية بشكل غير مسبوق، وأن بوادر سعيهم لتخريب هذه العلاقات تلمح لإخفاقات محتملة، إلا أن هذا الأمر لا يزيدهم إلا مثابرة لإيقاظ حس الضغينة الذي لا يغفو ضد المملكة المغربية، وذلك من خلال ابتكار خطط بديلة لتسميم الأجواء، ومحاولة جلب الانتباه الخارجي.
وفي نفس السياق، قال حسن بلوان، خبير في العلاقات الدولية، ومتخصص في قضية الصحراء المغربية، " أود أن أشير إلى أن الخطط الجزائرية لإفساد العلاقات المغربية الفرنسية، على سبيل المثال، قديمة جدا، ولم تحصد إلا الخيبة والفشل مهما تعددت ٱلياتها، وذلك راجع الى مجموعة من الأسباب والعوامل التي تعيق توجهات النظام العسكري الجزائري.
وأوضح بلوان أن عمق وتجدر العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين المغرب وفرنسا يحول دون تحقيق مسعى الجزائر الرامي إلى وضع حد لهذه العلاقات، مضيفا أن رصانة وقوة الطرح المغربي الذي يحظى بمصداقية وثقة كبيرة في الاوساط الفرنسية، عامل ثان يمنع وقوع اختلالات في علاقات المغرب مع بعض الدول، ومؤكدا في الآن ذاته أن المؤسسات الجزائرية لا تزال، وإلى حدود اللحظة، تشتغل بخطط وٱليات بالية وقديمة، تعود إلى عهود الحرب الباردة.
وفي نفس الصدد، قال بلوان "يمكن أن نتحدث عن عقود من محاولات التأثير، وشراء الذمم لبعض السياسيين والاعلاميين المأجورين للهجوم على المغرب، وعلى مؤسساته، وقضيته الوطنية، لكن دون جدوى"، مستطردا "بل اكثر من ذلك، يرتد السحر على الساحر في كل مناسبة، إذ كلما اشتد الضغط الجزائري زادت العلاقات المغربية الفرنسية قوة ومتانة".
وعلى هذا الأساس، يعتقد المتحدث نفسه أن ولاية الرئيس الفرنسي الثانية ستكون حبلى بالمنجزات مع المغرب، خاصة إذا كسب الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولعل إشارات الغزل التي يطلقها المسؤولون الجزائريون مؤخرا ما هي إلا مقدمة للضغط على إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، حتى لا يمضي قدما في تحسين علاقاته الاستراتيجية مع المغرب، لكن كل ذلك لا يمكن أن يتحقق.
وتجدر الاشارة إلى أن حزب الرئيس الفرنسي خلال السنة الماضية كان قاب قوسين أو أدنى من فتح مقر له في الأقاليم الجنوبية، غير أن انشغالات السنة الانتخابية أجّلت ذلك، مما يوحي إلى أن قيادة الحزب وأجهزته قريبة من الموقف المغربي المشروع، ثم إن تصريحات ماكرون في أكتوبر الماضي التي أنكر فيها وجود دولة جزائرية قبل الاستعمار، منوها بأن المسؤولين الجزائريين يقتاتون من الذاكرة والماضي الاستعماري، وأن الرئاسة الجزائرية مسجونة في نظام عسكري شمولي ومغلق، ومشككا في مصداقية المؤسسات التي تحكم البلاد.
وارتباطا بالموضوع، قال بلوان "أظن أن المحاولات الجزائرية الحالية والمستقبلية الهادفة لتعكير صفو العلاقات المغربية الفرنسية مصيرها الخسارة، لأن العلاقة مع المغرب في الأوساط والمؤسسات الفرنسية استراتيجية بطبعها، وتستشرف دائما نظرة تفاؤل نحو المستقبل، في حين تنظر إلى العلاقات مع الجزائر بعين المصالح الظرفية، وتدبير المشاكل والتحديات من خلال منظار الماضي والذاكرة.