ونحن على شهور قليلة من الاستحقاقات الانتخابية، والتي ستمر هذه السنة في ظل ظروف استثنائية في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، تتناسل العديد من الأسئلة المرتبطة بحملات سابقة لأوانها التي أطلقتها بعض الأحزاب، والمشاركة السياسية للمواطن المغربي.
ويبقى السؤال الأكثر انتشار في الأوساط السياسية، هو ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيحوز على ولاية ثالثة لقيادة الحكومة؟ خصوصا في ظل فتح المغرب لأوراش تنموية كبرى، واعطاء الانطلاقة لعمل اللجنة المكلفة بإعداد نموذج تنموي.
في هذا الصدد، يقول أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس؛ أمين السعيد، إن هناك مفهوم تسرب إلى التداول العمومي في المغرب يتعلق بمقولة "الحملة الانتخابية السابقة لأوانها"، وهي مقولة تعرضت لكثير من سوء الفهم، بعد أن كانت الإدارة خلال سنوات الثمانينات والتسعينات تضع رهن إشارة الأحزاب المقربة أو ما يصطلح عليها إعلاميا بأحزاب الإدارة كل الإمكانيات المادية والتنظيمية بهدف التأثير على الرأي العام، ذلك أن السياق السياسي تغير ولازال هذا المفهوم حاضرا حتى أضحى يفرمل أنشطة الأحزاب السياسية التي من المفترض كما هو الشأن في التجارب الديمقراطية المقارنة بأن ترفع من إيقاع اشتغالها وتسرع من استراتيجيتها صوب المواطنين.
وأضاف السعيد في حديث له مع "بلبريس"، أنه بالرغم من التقدم الدستوري الذي أقره الفصل السابع من دستور 2011 بخصوص وظيفة الأحزاب السياسية، فإن الممارسة السياسية العملية تعكس بشكل جلي هشاشة حزبية سواء في العلاقة مع النظام السياسي أو المواطنين، وهو ما يضع المؤسسة الحزبية في حالة عجز حاد عن استقطاب الناخبين في ظل مشهد حزبي غير مريح وضعيف وليست له القدرة عن تقديم خيارات بديلة ومغرية.
وأشار السعيد، إلى أنه مغربيا، انزياح النقاش إلى قضايا شبه ثانوية تتعلق بالقفة وبالإحسان الاجتماعي وابتعاده عن مناقشة المنجز الحكومي وتقييم أداء الأحزاب وطرح الخيارات البديلة التي تعبر عن انشغالات المواطنين خاصة ما بعد الجائحة الوبائية كوفيد 19، جعل الأحزاب السياسية تتكيف لاجتراح أدوار بعيدة عن التمثيل وممارسة السلطة والوساطة حسب تعبير أحد الباحثين المغاربة.
وعن تقيين التجربة المغربية مع حزب العدالة والتنمية بعد دستور 2011، يؤكد أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، على أنه موضوعيا يصعب رصد وتقييم تجربة حزب العدالة والتنمية خلال الفترة المتراوحة بين سنة 2012 و2021، وما يزيد من هذه الصعوبة هو كون الحكومات التي قادها حزب العدالة والتنمية جلها شبيهة بأنماط الحكومات الائتلافية الممزوجة بين أحزاب الوسط وأحزاب تنهل من المرجعية اليسارية، بالإضافة إلى طبيعة النظام السياسي المركب الذي يحرس على عدم ظهور حزب منافس أو معاكس للدولة.
وبشكل عام، بتابع السعيد، أن عقد من الزمن يحيل إلى بعض الإنجازات التي تحققت بهاجس الحفاظ على الاستقرار في سياق إقليمي مكهرب ومضطرب، غير أنه في المقابل هناك الكثير من الإخفاقات قياسا بالوعود التي قطعها حزب العدالة والتنمية وأخذا بعين الاعتبار الأمل الشعبي الكبير الذي عُقد على حكومة السيد عبد الإله بنكيران التي رفعت شعارا مركزيا يرتبط بمحاربة الفساد.
السعيد، أبرز أن الوقوف السريع على تجربة حزب العدالة والتنمية في التدبير الحكومي، يظهر أن قيادة الحزب عجزت عن تفعيل الصلاحيات الدستورية التي دشنها دستور 2011 خاصة في الشق التنفيذي، وساهم حزب العدالة والتنمية في تكريس أعراف وعادات دستورية متخلفة عن وثيقة 2011، ذلك أن الهدف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية يتجلى في نيل ثقة المؤسسة الملكية ولو على حساب التنازل الطوعي والإرادي عن الصلاحيات الدستوري، حيث تحكمت مقاربة سياسية في تدبير حزب العدالة والتنمية للشأن العام من خلال سيادة تقدير حزبي بأن الدفاع عن الاختصاصات الدستورية سيزعج المؤسسة والملكية وسيشكل بيئة خصبة لمناهضي مشاركة حزب العدالة والتنمية في التدبير الحكومي.
وشدد السعيد على أن استراتيجية حزب العدالة والتنمية أسقطته بطريقة غير مباشرة في متاهة التعايش مع ما يمكن تسميته بالفساد سواء الاقتصادي أو المالي أو السياسي أو الرياضي، وهو ما يعيد تقريبا تكرار تجربة حكومة الاتحاد الاشتراكي التي عقدت عليها أمال جيل نهاية التسعينات.
ومن هذا المنطلق، يردف المتحدث ذاته، أنه بالرغم من الأوراش والمشاريع التي ساهم فيها حزب العدالة والتنمية، فإن بصمته تبدو باهتة لعدم قدرته على بلورة برامج مُهيكلة وغير مسبوقة، حيث أن تجربة حزب العدالة والتنمية لا تختلف كثيرا وجوهريا عن الحكومات السابقة خاصة في القضايا المركزية المتعلقة بالفقر والبطالة والتنمية القروية والتفاوتات المجالية والهشاشة الصحية والاعطاب البنيوية الملتصقة بالمنظومة التعليمية.
وفيما يتعلق بفتح المغرب أوراشا تنموية كبرى، واعطاء الانطلاقة لعمل اللجنة المكلفة بإعداد نموذج تنموي، يقول السعيد، إنه ينبغي في هذا الإطار، الإشارة إلى أن تكليف المؤسسة الملكية للجنة الخاصة التي يرأسها شكيب بنموسى بصياغة نموذج تنموي تندرج في إطار المقاربة التشاركية التي أضحت من مرتكزات دستور 2011، وأن اللجنة لها طابع استشاري يتجلى رصد وتشخيص الاختلالات وتقديم الحلول والخلاصات، غير أن تقرير اللجنة ينبغي ألا يؤثر الوظيفة الحزبية التي من أدوارها صياغة الاقتراحات وتقديم الأجوبة للمركزية للأعطاب الكبرى.
وستطرد أستاذ القانون الدستوري، أن هذا الاستحضار المقتضبة لعلاقة لجنة النموذج التنموي بالمؤسسات التمثيلية، يمكن أن يقود لفرضية نهاية البرامج الحزبية وموت الخيارات السياسية، وأن وظيفة الأحزاب السياسية هي التنافس على تطبيق خلاصات تقرير لجنة النموذج التنموي، وهو ما يمكن أن يؤثر على قاعدة ذهبية دستورية وهي البرنامج الحكومي الذي تنال على أساسه الحكومة التنصيب من قبل البرلمان، وخطورة تحول نسخ البرنامج الحكومي لمخرجات لجنة النموذج التنموي.
وبعيدا على الفرضية الأولى، يتابع السعيد، ويقول إن عمل لجنة النموذج التنموي يدخل في سياق تمرين كبير على مسائلة الاختيارات الكبرى للنظام السياسي وفق تشاور عمومي ووطني واسع تشارك فيه كافة الشرائح والتمثيليات، وأن هذا التمرين يهدف إلى تقويم التدبير الاستراتيجي العابر للزمن الحكومي من بوابة تقنية وغير مسيسة.
وأشار السعيد إلى أنه يمكن التذكير بالصعوبات التي قد تكبل عمل اللجنة والمرتبطة في ضيق الوقت وتضخم الاقتراحات وكثرت المطالب وتداخل الأولويات وتباين الحاجيات ما بين القطاعات والفئات، ذلك أن لجنة النموذج التنموي ينبغي أن تحسم في الأولويات وأن تأخذ بعين الاعتبار المعيقات البنيوية العميقة التي ظهرت مع الأزمة العالمية وباء كورونا كوفيد 19.
وعن سؤال نجاح المغرب في تفعيل مشروع الجهوية المتقدمة، أبرز أمين السعيد، أنه بالرغم من أن التداول السياسي والإعلامي لمفردة الجهوية المتقدمة قد برز بشكل قوي خلال الخطاب الملكي السامي المؤرخ في التاسع من مارس 2011، فإن المغرب في طور بناء الجهوية المتقدمة، انطلاقا من التأطير الدستوري لها في سنة 2011 ومرورا بصدور القوانين التنظيمية ذات الصلة بالجماعات الترابية في سنة 2015، وانتهاء بصدور المراسيم التطبيقية في السنوات الأخيرة.
وتابع المتحدث ذاته كلامه قائلا إن هناك العديد من الملاحظات الأولية في هذا الجانب، أبرزها نجاح ورش الجهوية المتقدمة مرتبط بتصحيح الثغرات التي ظهرت في المنظومة القانونية خاصة على مستوى طبيعة العلاقة المبهمة بين السلطات المنتخبة وسطات المراقبة في أفق الحرص على تجميع النصوص القانونية في مدونة الجماعات الترابية.
كما سجل السعيد ملاحظة الثانية تتعلق بطبيعة تكوين الفاعلين السياسيين، وعدم قدرتهم على فهم غايات وفلسفة الجهوية المتقدمة، إذ أظهرت الممارسة العملية بشكل عام على ضعف النخب المحلية، حيث برز بشكل واضح تخلف الفاعلين السياسيين وعجز الأحزاب السياسية عن تكوين نخب قوية قادرة على مواكبة ورش الجهوية المتقدمة، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بتطوير الإدارة وتكوين الموارد البشرية المساعدة للنخب السياسية، والاستمرار في رقمنة الإدارة وانفتاحها على المواطينين، وفي الملاحظة الأخيرة ترتبط بضعف الموارد المالية للجماعات الترابية مع بعض الاستثناءات، وهو ما يطرح بقوة مسألة موارد الجماعات وحكامة تحصيلها وعلاقة ذلك بالإمكانيات التي تتوفر عليها.