"تيارات تصحيحية ومؤتمرات استثنائية".. حركية سياسية تُوَاجَهُ بـ"تعنث القيادة"

دعوات لمؤتمرات استثنائية، وحركات تصحيحية، واستقالات متواصلة، حملة الغضب هي تلك التي دقت أبواب الأحزاب السياسية، أشهر قليلة على الاستحقاقات الانتخابية، والتي بدون شك ستكون بطعم خاص، ولاسيما أنها تأتي بعد سنة من الأزمة الوبائية التي عصفت بكبريات الدول في العالم، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، والمغرب لم يكن استثناء .

غليان، في كل الجهات، بمعظم الأحزاب السياسية، حتى تلك التي تتواجد في "خفاء" ، ولكن يبقى الاختلاف بين هذه الهيئات السياسية في طريقة التعامل مع الغضب الواقع في صفوفها، فبينما حاول البعض "لم الشمل" اتجه البعض الآخر لـ"الطرد"، في حين اكتفت أحزاب بطي خلافاتها داخل جدران مقراتها، مع نفي وجود الخلاف من الأساس، أمام العلن .

العدالة والتنمية "غليان" متواصل

 

حزب العدالة والتنمية، أول قوة سياسية في المغرب، يحاول بكل الطرق طي صفحة الماضي، والتوجه إلى الانتخابات المقبلة، موحدا، وذلك بعد الاستقالات المتوالية، والأزمة الواقعة بين أعضائه، بسبب مشاركة أمينهم العام، سعد الدين العثماني في اتفاقية استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، غضب فعاليات حقوقية وسياسية رافضة لـ"التطبيع"، على سعد الدين العثماني، وحكومته، تلتها استقالات جماعية لـ"أعضاء" بحزب العدالة والتنمية، أججت الوضع وجعلت الأمين العام لـ"البيجيدي" في ورطة حقيقية .

عدوى الاستقالات والغليان، انتقلت من القاعدة للقيادة، حيث قدم عمدة البيضاء عزيز العماري، استقالته من الأمانة العامة للحزب، ثم تجميد البرلماني المثير للجدل، المقرئ أبو الزيد لعضويته بـ"البيجيدي"، مستدلين في ذلك،وفقا لمصادر متطابقة ، بمشاركة العثماني في اتفاقية استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، بالإضافة لتغير مسار الحزب، بعد ولايتين في الحكومة .

إلا أن الحزب، يحاول طي الصفوف، ولاسيما قول نائب الأمين العام للحزب، سليمان العمراني، اليوم الثلاثاء، أن الأمانة العامة لـ"بيجيدي" رفضت استقالة عبد العزيز العماري، عمدة مدينة الدار البيضاء، من عضويتها .

 

وفي محاولة منه، من أجل "تقزيم" حجم "الغليان" بالحزب الأول في المغرب، أضاف نائب الأمين العام لحزب المصباح، أن بيانات الهيئات الحزبية بينت أن هذا الموضوع محدود من حيث حجمه والحزب مستمر في عمله وحي بمؤسساته ومناضليه، ويستقبل مناضلين جدد.

وأمام الصراع المتواجد في الحزب، مؤخرا بسبب التطبيع، عاد دعاة عودة بنكيران للواجهة، وخرجوا إلى العلن من أجل البث في مذكرة النقذ والتقييم .

مصادر من أعضاء المذكرة، ترى أنها لا تريد التعامل مع الأخيرة، بنفس النسق الذي تم التعامل معه في الماضي، عندما تم إحداث لجنة سياسية من المجلس الوطني، بدون وجود أعضاء من الذين صاغوا المذكرة، وبالتالي لهم القدرة على الدفاع عنها .

 

الأحرار يواجه "التصحيح" بـ"الطرد"

 

غليان الحزب الحاكم، سبقته حركة تصحيحية وهذه المرة كانت بين صفوف حزب التجمع الوطني للأحرار، سعا قادتها (الحركة التصحيحية)إلى "إعادة الحزب لمساره الطبيعي وإخراجه من منطق التسيير المقاولاتي لمنطق التسيير الديمقراطي"، وفقا لبلاغ لهم .

الحركة التي قادها عبد الرحيم بوعيدة، الوجه البارز بحزب الحمامة ، دعت الأخير لمواجهة رئيس جهة كلميم واد نون سابقا، وطرده من "الأحرار" وذلك في قرار للجنة الجهوية ،للتاديب والتحكيم بجهة كلميم وادنون .

ويتساءل المراقبون للمشهد السياسي في المغرب، عن ما إذا كان حزب عزيز أخنوش، سيواجه أي حركة تصحيحية أو معارضه داخله، بنفس الطريقة التي تعامل بها مع بوعيدة، أم أن الأخير كان كان استثناءا، ولاسيما أمام المشاكل التي واجهها في رئاسة جهة كلميم واد نون .

 

البام يسعى لـ"تجاوز" المؤتمر الرابع

 

أما عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، مازال يسعى لحل أزمة المؤتمر الرابع للحزب، والصراع الذي سبقه المتعلق بتياري الشرعية بقيادة حكيم بنشماس، والمستقبل الذي استأسد في المؤتمر وكسب رهانه، بالأمانة العامة وبرلمان "تراكتور" .

ويحاول وهبي، التوجه للاستحقاقات الانتخابية المقبلة موحدا، ولاسيما أن مجموعة من القادة الذين ساندوا في وقت سابق حكيم بنشماس، الأمين العام السابق، لهم وزنهم في المشهد السياسي ومجموعة من مناطق المملكة، وبالتالي فالأمين العام لثاني قوة سياسية يسعى لـ"لم الشمل" واتجاه قدما بوحدوية .

لعربي لمحرشي، رئيس هيئة المنتخبين بالحزب، سابقا، والقيادي بـ"تراكتور"، يرى أن الحل داخل حزب الأصالة والمعاصرة هو لم الشمل، ونسيان صراعات الماضي .

البرلماني بحزب الأصالة والمعاصرة، يضيف في تصريح سابق لـ"بلبريس"، أن عبد اللطيف وهبي مازال متشبتا بحل الأزمة، والجلوس على طاولة الحوار مع كل قادة "البام" الذين كانوا ضد تيار المستقبل في مرحلة المؤتمر السابق .

ومع اقتراب الانتخابات المقبلة، يتساءل المراقبون للمشهد السياسي، عن ما إذا كان وهبي سينجح في طي الخلاف بشكل نهائي، والتوجه للانتخابات بشكل موحد داخل "البام"، أم أنه سيفشل في ذلك، وتنجح أحزاب سياسية أخرى في استقطاب قادة المؤتمر الرابع "المغضوب عليهم" كما نعثو في وقت سابق، إبان الأزمة .

 

الاستقلال "الصراع الخفي"

 

وإذا كانت صراعات هذه الأحزاب، واضحة للعيان، والتصريحات المتبادلة والصراعات المتواصلة، فهناك خلافات داخل حزب الاستقلال، ولكن بشكل "خفي" .

مصادر متطابقة، تؤكد لـ"بلبريس"، أن الوضع بين حمدي ولد الرشيد ونزار بركة، ليس على ما يرام، وأن الأجواء متوثرة بشكل كبير، ليس فقط بالنسبة للحزب بل تجاوز الأمر لشبيبته، عندما اختار عثمان الطرمونية، طرد مجموعة من الوجوه البارزة بالتنظيم الموازي .

وتضيف ذات المصادر، أنه من المنتظر أن يعول حمدي ولد الرشيد، على رئيس نقابة الاستقلال، النعم ميارة، من أجل ولاية على رأس الحزب، خلفا لنزار بركة .

وبالنسبة لمشاكل الشبيبة، فاختار نزار بركة الصمت، وهو الأمر الذي لم يتقبله المطرودين، وجعل الحزب في أزمة حقيقية، حيث أن هناك مصادر تؤكد اصطفاف الطرومنية في صف حمدي ولد الرشيد، الرجل القوي داخل حزب الاستقلال .

 

حزب السبع تتواصل "الأزمة"

 

حزب زيان، وبالرغم من عدم وجوده القوي في الساحة السياسية، إلا أنه يعاني الأمرين، بعد ظهور حركة تصحيحية، تطالب بإقالة المنسق الوطني للحزب المغربي الحر، لأسباب تتعلق كما وصفتها أعضاء الحركة التصحيحية، "الانفراد في القرارات وتصفية مشاكله الشخصية بإسم الحزب" .

وتوالت الترشيحات من أجل تعويض زيان، على رأس الحزب الليبيرالي، حيث أعلن يوسف خوادر، ترشحه رسميا للمنصب المنسق الوطني للحزب .

ووضع عضو المجلس السياسي لحزب “الأسد” يوسف خوادر، ترشحه، الأسبوع الماضي لدى اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب المغربي الحر، الذي سينعقد في نهاية الشهر الجاري.

وتوعد خوادر، بقطيعة مع مرحلة الماضي، في حال ما استطاع كسب رهان المنسق الوطني للحزب المغربي الحر، في إشارة لمرحلة محمد زيان .

وكما كان متوقعا، مازال المحامي المثير للجدل، إسحاق شارية، متشبتا بـ"حلمه" بالظفر بزعام الحزب المغربي الحر، كما سارع لذلك في المؤتمر السابق .

ووضع شارية، ترشيحه لمنصب الأمين العام للحزب المغربي الحر، للجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي .

ومن المتوقع، أن يتجه محمد زيان للقضاء من أجل حل الأزمة، حيث أنه اعتبر اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي "غير قانونية" .

وبعدما أكد زيان ترشح حزبه للانتخابات المقبلة، وإشارته إلى أن الحزب له وزن في الشارع، هاهو اليوم يقترب من النزول من زعامة الحزب، في حال ما تم المؤتمر الاستثنائي .

أما بالنسبة للمرشحين، فأشارت مصادر أن كثرة المترشحين في المؤتمر الاستثنائي ليس إلا تأتيث للمشهد، وأنهم سينسحبون في النهاية ليمهدو الطريق أمام إسحاق شارية من أجل كسب منصب المنسق الوطني لحزب "السبع" .

إلى أين يتجه الحصان ؟

حزب الاتحاد الدستوري، هو الاخر مسته "الأزمة"، وتواصلت التعبئة ضد الأمين العام الحالي للحزب محمد ساجد .

برلمان الحزب الدستوري، دخل على الخط بعدما دعا رئيس المجلس الوطني للحزب، شاوي بلعسال، إلى عقد محطة تنظيمية للمجلس بمدينة القنيطرة شهر فبراير المقبل.

شاوي بلعسال الذي وجد نفسه مدعوما من قيادات لها وزنها في حزب "الحصان"، هاهو اليوم قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بعمدة البيضاء سابقا، ووزير السياحة الأسبق، محمد ساجد، ولاسيما أن برلمانيين في الاتحاد الدستور والمسؤول الحكومي السابق "المغضوب عليه" لحسن عبيابة، هو الاخر، انظم إلى صفوف "الغاضبين" على القرارات المتخدة من قبل ساجد .

في المقابل، رد الأمانة العامة للاتحاد الدستوري، تفاعلا مع تحركات العسال، قالت خلالها "إن قرار تحديد تاريخ ومكان انعقاد هذا الأخير يدخل ضمن اختصاص الهياكل التقريرية للحزب".

واعتبرت الهيئة التقريرية في حزب ساجد، أن ما تم الإعلان عنه “يعتبر تطاولا وتجاوزا للمهمة الموكولة للجنة من طرف المكتب السياسي” .

وفي محاولة للأمانة العامة للحزب، تفادي مع وقع داخل مجموعة من الأحزاب السياسية، دعت في بلاغ لها جميع المناضلات والمناضلين بالمحافظة على التماسك الحزبي والتضامن، من أجل تحقيق الأهداف العليا للحزب وخدمة المصلحة العامة.

 

ويشار إلى أن "الدستوري"، ومنذ أزمة عبيابة وخروجه من الحكومة، يعاني من أزمة حقيقية داخل الهيئة .

مصادر تؤكد أن سبب الخلافات بالأساس، تتمثل في امتناع الأمين العام محمد ساجد على تجديد هياكل الحزب، قبل أن يتوسع الخلاف وينشأ تيار يضم صقور الحزب، وتعمق الأزمة داخل حزب الحقيبة الواحدة في حكومة سعد الدين العثماني .

 

"الحركة" ما بعد لعنصر

 

"لن أترشح لولاية جديدة على رأس الحركة الشعبية"، عبارة لمحند لعنصر، تنذر بصراع قوي داخل "السنبلة"، من أجل الظفر بالأمانة العامة للحزب خلفا لوزير الداخلية الأسبق، وأقدم أمين عام في تاريخ الأحزاب السياسية في المغرب .

بين المرأة القوية بالحزب، حليمة العسالي، والمسؤول الحكومي السابق، محمد مبديع، بالإضافة لوجوه جديدة قد تظهر مستقبلا، هكذا ستكون الخريطة المستقبلية للمترشحين من أجل الصعود على رأس "السنبلة" .

وإذا كان الوضع داخل الحزب، يظهر أنه يمر بشكل عادي فقد تظهر الخلافات مع اقتراب المؤتمر المقبل، الذي سيكون مصيريا مع نزول لعنصر من قيادة سفينة حزب "الأمازيغ" .

 

الانتخابات "تفرز" الحركات الانشقاقية

 

من جانبه يرى أستاذ العلوم السياسية، بكلية الحقوق بأكدال، عبد الحميد بنخطاب، أن "الغليان المتواجد بالأحزاب السياسية، بحكم أنه في كل استحقاقات انتخابية تفرز تيارات معينة لها علاقة بطبيعة العرض السياسي المقدم وما يخلق نوعا من التقاطب السياسي داخل الأحزاب ".

 

بنخطاب يضيف في اتصال هاتفي لـ"بلبريس"، "الاستحقاقات الانتخابية هي لحظة مفصلية في مسار الأحزاب وهي مرحلة لتشكل نخبة جديدة داخل هذه الأحزاب"، مشددا أنه "من الطبيعي وجود هذا الغليان" .

 

رئيس جمعية العلوم السياسية، يضيف كذلك في ذات التصريح ""بطبيعة الحال افراز هذه النخب السياسية ليس بالسهل وهو ما يشكل نقطة تقاطب بين مختلف التيارات داخل الأحزاب، وهذا ما يخلق جدالا قد تدبره بعض الأحزاب بطرقها الخاصة سواء بطرق مؤسساتية في حين لا تستطيع بعد الأحزاب تدبيرها وهو ما يدفعنا لنكون أمام حركات انشقاقية وتصحيحية".

الانتخابات على الأبواب

 

أمام هذه الصراعات، يرى المراقبون للمشهد السياسي، أنها صحية لإنقاد الأحزاب السياسية، بشكل خاص والمشهد السياسي عموما من "الجمود" الذي يعيش فيه .

في المقابل، قد تؤثر سلبا عن الأحزاب مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، التي تطمح من خلالها الأحزاب السياسية، لتبؤ الريادة والظفر بالصدارة .