يعد التدبير الناجع للموارد البشرية في قطاع التربية الوطنية من المحددات الأساسية لقياس مؤشرات نجاح الإصلاح التربوي وتقويم المجهودات المبذولة للارتقاء به، من هذا المنطلق تؤمن الوزارة إيمانا راسخا بأن العنصر البشري المتوفر لديها يشكل الركيزة الأولى لقيادة التغيير وإنجاح ورش إصلاح المنظومة التربوية. ويكتسي هذا المعطى قوة وأهمية حينما يتعلق الأمر بقطاع من حجم قطاع التربية الوطنية، الذي يناهز عدد الأطر التربوية العاملين به حوالي 250 ألف أستاذة وأستاذا.
إن إصلاح المنظومة التربوية لا يمكن أن يحقق النتائج المنتظرة منه، إلا إذا واكبته سياسة واضحة لتحقيق التدبير الناجع للموارد البشرية مرتكزة على إعادة النظر في أساليب التوظيف والتكوين والتدبير والتحفيز، بشكل يراعي مبدأ الجهوية المتقدمة التي شرعت الوزارة في إرسائها واستكمال ورش اللامركزية واللاتمركز.
وفي هذا الإطار، فقد أولى القانون ـ الإطار 51.17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي أهمية بالغة لنساء ورجال التربية حيث خصص الباب السادس بأكمله للموارد البشرية، وجاءت مقتضياته، في مجملها، على أساس تثمين دور نساء ورجال التعليم وتحديد مهامهم وكفاياتهم، وتمكينهم من تكوين أساسي لولوج مهن التربية والتكوين بشروط نظامية ومعايير تحددها دلائل مرجعية، وذلك لتأهيلهم وتنمية قدراتهم والرفع من أدائهم وكفاءتهم المهنية، فضلا عن استفادتهم من برامج سنوية للتكوين المستمر من أجل تطوير مهاراتهم وتحسين مردوديتهم.
وسعيا نحو توطيد أكثر لحالة الاستقرار والرضا الوظيفي للأطر التربوية، تسهر الوزارة على مواصلة مسلسل التطوير والتجويد المستمر للحركة الانتقالية الوطنية والجهوية وتحسين الخدمات الإلكترونية وخدمات القرب ذات الصلة المباشرة بالموارد البشرية ومواءمتها مع انتظارات وتطلعات الشغيلة التعليمية بالإضافة إلى الحرص على المعالجة المبكرة للملفات الأساسية كملفات التقاعد وإشكاليات تدبير الفائض وتغطية الخصاص من أطر التدريس وغيرها.
وقد دأبت الوزارة على نهج سياسة قوامها الانفتاح والتشاور والحرص على استمرارية الحوار مع فرقائها الاجتماعيين حول مختلف القضايا التي تهم الجسم التربوي في جميع مستويات المنظومة التربوية. وبغية تحسين الوضعية الإدارية والاجتماعية لموظفي القطاع من أجل الارتقاء بجودة منظومة التربية والتكوين، وتمكين كافة الأطر التربوية من الظروف الملائمة للاستقرار ومن التحفيز والتكوين لإنجاح العملية التعليمية التعلمية، وضمان حق المتعلمات والمتعلمين في التمدرس، عقدت، في هذا الصدد، سلسلة لقاءات إيجابية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية توجت بالنجاح في تدبير العديد من الملفات والقضايا شملت تسوية وضعية أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي الذين سبق لهم أن كانوا معلمين، والمحالين على التقـاعد قبل فاتح يناير 2011، كما شملت هذه العملية 152 أستاذة وأستاذا للتعليم الثانوي الإعدادي أحيلوا على التقاعد برسم السنوات الممتدة من 2007 إلى غاية 2011، وكذا ترقية الحاصلين على شهادات جامعية من دول أجنبية ممن اجتازوا بنجاح المباريات المهنية برسم سنتي 2014 و2015، وتسوية وضعية الأطر المرتبة في الدرجة 3 (السلم 9). كما تمت تسوية وضعية الموظفين الذين تم توظيفهم الأول في السلمين 7 و 8، فضلا عن إحداث إطار متصرف تربوي، والوزارة بصدد تعديل المقتضيات القانونية المتعلقة بهذا الملف وعرضها على مسطرة المصادقة من طرف القطاعات الحكومية المعنية، والتي تتمثل في اعتماد نظام تكوين تستغرق مدته سنتين بدلا من سنة واحدة، يتم على إثره الحصول على دبلوم متصرف تربوي من الدرجة الأول، ووضع إطار متصرف تربوي من الدرجة الثانية في طور الانقراض، والاقتصار على درجتين فقط (الدرجة الأولى والدرجة الممتازة) وتعيين إطار المتصرف التربوي من الدرجة الأولى من بين الحاصلين على الدبلوم المشار إليه، والمسلم من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، مع اقتراح صيغة لإدماج خريجي مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية منذ 2015، ومعالجة الوضعية الإدارية لخريجي مسلك الإدارة التربوية منذ 2015، وإعادة النظر في شروط وكيفيات إدماج أطر الإدارة التربوية المزاولين لمهامهم حاليا مع منح سنتين كأقدمية اعتبارية للمعنيين بالأمر عند تغيير الإطار دون تغيير السلم.
وتتعلق الملفات التي توجد قيد التسوية بملف ترقية الأطر الحاصلة على شهادة مهندس دولة، بعد النجاح في المباريات المهنية برسم سنتي 2014 و2015، فيما هناك ملفات أخرى توجد قيد الدراسة وتهم السماح للأساتذة المكلفين بالتدريس في غير سلكهم الأصلي بتغيير الإطار وكذا ترقية الحاصلين على الشهادات، والارتقاء بالوضعية الإدارية للمساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، كما أن الوزارة في طور دراسة وضعية موظفي القطاع الحاصلين على شهادة الدكتوراه، وكذا مشروع النظام الأساسي الخاص بمهن التربية والتكوين.
وتفعيلا للجهوية المتقدمة تبنت الوزارة مقاربة التوظيف الجهوي كخيار استراتيجي، وذلك بهدف ملاءمة وضعية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بصفتها مؤسسات عمومية مع مستلزمات القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، وتقوية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسات عمومية تتمتع باستقلالها الإداري والمالي وتتحكم في التدبير الناجع للموارد البشرية وكذلك بغية تحقيق الاستقلالية الكاملة في توفير الكفاءات اللازمة لممارسة فعالة وناجعة في مجال تدبير الشأن التربوي، نظرا لعدم كفاية المناصب المالية المحدثة سنويا لفائدة قطاع التربية الوطنية بموجب القوانين المالية والحد من ظاهرة الاكتظاظ الذي بلغ أقصى مستوياته في الموسم الدراسي 2016-2017، إلى جانب تجاوز مشكل الخصاص الذي يطرح عند كل دخول مدرسي من خلال التحكم في الحاجيات الفعلية من الأساتذة.
وقد مر التوظيف الجهوي للمدرسات والمدرسين من سيرورة متدرجة توجت بمراجعة النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بعدما تفاعلت الوزارة إيجابا مع مطالب هذه الفئة، حيث تمت مراجعة مقتضيات الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجاري بها العمل وفق فلسفة جديدة تنبني على المماثلة بين أطر الأكاديميات وأطر هيأة التدريس الخاضعين للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، وتمت في هذا الإطار مراجعة وضبط جميع المواد التي تشير إلى فسخ العقد، وذلك بحذف كلمة العقد من النظام الأساسي (الانتقال من العلاقة التعاقدية إلى العلاقة النظامية لأطر الأكاديميات بصفة تلقائية)، وإعداد مشاريع مراسيم بشأن الأنظمة الأساسية الخاصة بموظفي الأكاديميات والمصادقة عليها في دورة استثنائية للمجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، في 13 مارس 2019، حيث أصبح هؤلاء الأساتذة يخضعون لأنظمة أساسية جديدة وفق فلسفة تقوم على إعطاء القوة القانونية اللازمة للتوظيف الجهوي، وتمكينهم من الاستفادة من وضعية مهنية مماثلة للوضعية المهنية للموظفين الخاضعين للنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، وتوفر لهم الشروط الكفيلة بضمان مسار مهني متميز ومنفتح على آفاق أرحب، وضمان استقرارهم المهني وأمنهم الوظيفي.
لقد عرف الحوار الاجتماعي في قطاع التربية الوطنية طفرة نوعية بفضل المنهجية الجديدة التي أصبحت الوزارة تتبناها في علاقتها مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والتي تعتبرها الشريك الأساسي في الحوار بشأن مجمل القضايا التي تهم الأسرة التعليمية، وتجلت معالم نجاعة هذه المنهجية في تمكن الوزارة من تسوية عدد من الملفات ظلت جامدة لسنوات طويلة، كما تجلت في العزم الأكيد والإرادة القوية التي أبداها الوزير الوصي على القطاع وعبر عنها في مناسبات عديدة بتأكيده على أن السبيل الوحيد لتسوية كل القضايا والملفات العالقة هو مواصلة الحوار مع الشركاء الاجتماعيين.