ما من شك في ان الاحزاب السياسية التقليدية اقتربت من نهاية دورتها،التي استمرت لأكثر من قرن من الزمن في لعب دور أساسي في اشتغال الأنظمة السياسية الديمقراطية الكبرى، إذ قامت بدورين رئيسين:تمثيل الشعب داخل المؤسسات و الوصول إلى السلطة و ممارستها.
و مع التحولات التي عرفتها الحياة السياسية و العمل السياسي في البلدان الديمقراطية، و كذا البلدان الصاعدة بداية القرن 21 ،لوحظ بان الممارسة السياسية بدأت تنحو مناحي جديدة مع بروز الحركات الاجتماعية الجديدة التي تستفيد من سيادة ثقافة سياسية جديدة،تتجاوز صراع اليمين اليسار،و توفق بين العولمة و الحداثة، وتتغلغل بفضل الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي و الرغبة في تجاوز الطبقة السياسية التقليدية...هذا ما لاحظناه في الديموقراطيات الغربية على اختلاف نسخها ،من حزب ماكرون بفرنسا الى بوديموس باسبانيا الى حركة 5 نجوم بايطاليا الى سيريزا باليونان والحزب القراصنة باسلاندا.
لا احد ينكر تراجع الالتزام السياسي و الثقة في أسلوب العمل السياسي التقليدي،و تنامي موجة النقد و النفور من الاحزاب السياسية و العمل السياسي ،و أن سخط الأجيال الجديدة على الطبقة السياسية التقليدية تتعدد أشكاله وتتفاوت مستوياته . و أكثر ما يبرز هنا تهميش عنصري المرأة و الشباب رغم ثقلهما و توقعهما الجديد.
إن انعقاد مؤتمر الحركيين مناسبة لمساءلة مدى وعي الأحزاب و استحضارها للمتغيرات الجديدة التي تخترق الجسم الاجتماعي و الثقافي و السياسي و بخاصة الديموغرافي المغربي.
فالسؤال الملح هو هل الأحزاب السياسية القائمة، بعد التحولات التي عرفتها بلدان المغرب والمشرق بعد سنة 2011،و مازالت قادرة على التعبير عن آمال و طموح جميع فئات المجتمع و بخاصة قواه الحية:الشباب و المرأة، ام هناك حاجة لمؤسسات أخرى بديلة بمقدورها القيام بهذه المهام.
إن حزب الحركة الشعبية هو حزب تاريخي،لعب دورا حاسما في مسار التعددية السياسية و مقاومة طموحات هيمنة الحزب الوحيد بالمغرب.كما انه نجح في التوفيق بين قوته و انتشاره الواسع في البوادي و الارياف و المدن الكبرى، وبين مرونة تنظيماته و هياكله،من جهة، و الجمع بين رؤى توجيهية مختلفة إن لم نقل متناقضة:توجه ليبرالي،توجه امازيغي برغماتي،و تدبير حداثي مؤسساتي من جهة ثانية.
فهل يعي الحزب ،و باقي الأحزاب الأخرى،أن القوى الحية(الشباب) بالبلاد لم تعد تقبل بان يتم تاطيرها بنفس الوسائل و الأدوات القديمة، بل يجب الإنصات إليها و تاطيرها بالأسلوب التي تراه هي مناسبا لها.و نفس الشيء بالنسبة لباقي القضايا. فلو كان الشباب مؤطرا جيدا و مستوعبا و مندمجا داخل التنظيمات، لما خرج الى الشارع و لما احتج و لما انتفض ولما ثار و...
إن التدبير الكاريزماتي و التدبير التوافقي من شانه أن يقتل العمل السياسي،بل هو الذي كان سببا في تجميد التطور الفكري و التنظيمي للأحزاب السياسية ،و بخاصة حزب الحركة الشعبية.
فهل تعي الأحزاب أن العالم يتغير بسرعة،وان الذي لا يتحرك يتأخر..و إذا وعتها فهل تعمل بها؟؟