فخ بنكيران وتجاهل بوانو: هل وقع "المصباح" في خطأ استراتيجي؟

بين هتافات الحنين وصخب التصفيق، اختار حزب العدالة والتنمية العودة إلى وجه مألوف لقيادته، معيداً انتخاب عبد الإله بنكيران بأغلبية ساحقة.

يبدو أن حزب العدالة والتنمية قد وقع في فخ استراتيجي بعودته إلى اختيار عبد الإله بنكيران أمينا عاماً للحزب، متجاهلاً فرصة التجديد التي كان يمثلها عبد الله بوانو.

صوت المؤتمرون بحماسة كبيرة لبنكيران الذي حصد 974 صوتاً بنسبة 69.4%، مدفوعين بقلوبهم أكثر من عقولهم، منجذبين لكاريزما الرجل وقدرته الفائقة على فن الخطابة التي يصفها خصومه بـ’’الشعبوية’’.

لا ينكر أحد أن عبد الإله بنكيران سياسي كبير و يجيد التواصل مع الجمهور وشذ الانتباه ، وهذه الأخيرة ميزة تتنافس عليها وسائل التواصل الاجتماعي، واصبح هناك اقتصاد في العالم بالاسم نفسه ’’اقتصاد جذب الانتباه’’، أي ان تبقيك الشركات كيفما كان مجالها أكثر مدة ممكنة على منصتها ، وكلما كثر عدد المغادرين بسرعة يرتفع معدل الارتداد الذي يضر بسمعة الموقع رقميا على محركات البحث وهذا موضوع آخر.

كما لا ينكر أحد أن العدالة والتنمية حزب تتميز قواعده بالانضباط للقيادة، فلم نشهد خلال المؤتمر سبابا أو تشابكات بالأيدي والصحون والكراسي ، كما حدث في أحزاب أخرى، وهذا يُحسب لهم دون شك.

لكن هذا الانضباط والتنظيم لا ينبغي أن ينسي الأعضاء التفكير النقدي تجاه القيادة، والنقد الذاتي تجاه التجربة في السنوات الاخيرة، كما لاينبغي أن ينسينا كمراقبين 10 سنوات من التدبير العمومي والتي أفضت إلى ما أفضت إليه. وكما تقول العرب: "في الصيف ضيعت اللبن"، فقد أضاع الحزب فرصاً تاريخية للإصلاح الحقيقي.

لقد منح المؤتمرون ثقتهم للزعيم الكاريزمي، متناسين أن القيادة نفسها هي التي ناصبت العداء للحراك الشعبي ذات ربيع وهو الذي قادها إلى رئاسة الحكومة، وفشلت في اتخاذ قرارات جريئة رغم الظروف المواتية.

فبنكيران الذي حظي بسياق استثنائي لم يتوفر لأي رئيس حكومة سابق - حركية احتجاجية، دستور جديد، أغلبية برلمانية، سلطات تنفيذية وصلاحيات واسعة - اختار الاختباء خلف عبارات فضفاضة مثل "التماسيح" و"العفاريت" و"عفا الله عما سلف".

وبدلاً من استثمار هذه الفرصة التاريخية في إحداث تغييرات هيكلية في السياسات العمومية، انساق الحزب وراء تطبيق وصفات نيوليبرالية قاسية أثقلت كاهل المواطن البسيط.

هذا الامر كلف الحزب هزيمة قاسية في 2021 عندما تكسر ’’المصباح’’ وأصابت شظاياه بعض القياديين الذين غادروا سفينة العدالة والتنمية .

يقول أحد المعلقين على فيسبوك بعد إعادة انتخاب بنكيران: "كيف يمكن لمن فشل رغم توفر كل الإمكانات أن ينجح اليوم في ظل ظروف أصعب؟" وهو سؤال مشروع.

ويضيف معلق آخر: "بنكيران لم يعد في جعبته ما يقدمه أكثر مما قدمه وهو في كامل قوته الانتخابية وعلى مستوى الشعبية و السياق أيضاً".

لقد كان مؤتمر بوزنيقة فرصة سانحة للحزب للتجديد والانفتاح على دماء جديدة وأفكار مبتكرة، لكنه اختار العودة إلى الماضي.

يتساءل مراقبون: هل يمكن لمن اختبأ خلف خطاب "العفاريت والتماسيح" أن يقدم حلولاً واقعية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المغرب اليوم؟

تبدو المجازفة كبيرة في الرهان على بنكيران لقيادة الحزب نحو انتخابات 2026، خاصة أنه أثبت سابقاً عجزه عن تحويل الخطاب الحماسي إلى سياسات ملموسة.

يصف محلل سياسي الوضع قائلا: "الحزب اختار الارتداد للماضي بدل التقدم للمستقبل، وهذا خطأ استراتيجي قد يدفع ثمنه غالياً".

ماذا سيقدم بنكيران في 2026 أكثر مما قدمه في 2011-2016؟ سؤال يطرحه كثيرون، لكن الإجابة تبدو غائبة حتى عن الحزب نفسه.

في النهاية، يبدو أن حزب العدالة والتنمية مصر على قيادة المستقبل بأدوات الماضي، وهو رهان محفوف بالمخاطر في زمن يتطلب التجديد والابتكار.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.