ظهرت الأكباش المستوردة في الأسواق وغاب العيد الكبير !
ارتبط مفهوم العيد الكبير عند المغاربة ب عيد الأضحى، على اعتبار أن عيد الفطر هو العيد الصغير إذ لا أضحية فيه.
لكن يبدو أن العيد هذا العام صغر أمام الأسعار التي ارتفعت وكبرت حتى تجاوزت كل التوقعات الممكنة في جميع أسواق الأضاحي المعروفة بـ ’’ الرحبة’’.
يُلامس عيد الأضحى هذه السنة جروح المواطن المغربي، فبدلًا من أن ينعم ببهجة العيد وطقوسه المعهودة، يجد نفسه مُقيدًا بقيود الأسعار المُتضخمة التي حولت شعيرة الأضحية إلى حلم بعيد المنال.
تجري الأسواق على إيقاع فوضوي، يتحكم فيه جشع التجار والمضاربين، بينما تتخلى الحكومة عن مسؤولياتها في الرقابة والتدخل لضمان استقرار الأسعار وحماية حقوق المستهلك.
يُثير صمت الحكومة تجاه هذه الفوضى تساؤلات مشروعة حول جدوى خططها وبرامجها لدعم الفلاحين وحماية المستهلكين وتوفير منتوج وطني خالص بأسعار معقولة.
فكيف يُمكن تفسير ارتفاع أسعار الأضحية بشكلٍ مُبالغٍ فيه، بينما تتحدث الحكومة عن دعم يُفترض أن ينعكس إيجابًا على جيوب المواطنين؟
جشع التجار والمضاربين لا تخطئه العين، وسط صمت الحكومة وتخليها عن القيام بواجباتها في الرصد والمراقبة والزجر.
تُرك المواطن لمصيره في غابة من التجار الجشعين الذين لا يهمهم سوى الربح ولتذهب ثقافة عيد المغربي إلى الجحيم.
يتحجج الكساب بغلاء الأعلاف، وتتحجج الحكومة بالظرفية الخارجية والجفاف والدعم، ويتحجج ’’الشناق’’ الذي يرتدي جبة الكساب على غفلة من السلطات، هو الآخر بغلاء كل شيء !
ألم تقل الحكومة إنها دعمت الفلاحين، كي تستقر الأسعار في الأسواق ولا يتأثر المواطن/المستهلك الذي هو الحلقة الأضعف في هذه المعجنة؟ فلم لم تستقر الأسعار؟
الم يكن حريا بالحكومة أن تقوم بتسقيف أسعار الأضاحي وتحريك لجان المراقبة في الأسواق خلال بضعة أيام؟
إذ لا يعقل أن يشتري مواطن من الطبقة المتوسطة أضحية بأكثر من 5 الاف درهم، بعدما كان يشتري مثلها وأفضل منها بالفي درهم في السنوات الماضية.
ولماذا يُضطر مواطن مغربي إلى شراء أضحية قادمة من أوروبا الشرقية، وكيف أصبح شراء كبش محلي صعب المنال بل يكاد يكون مستحيلا، ألسنا بلدا فلاحيا بامتياز وكان لدينا مخطط أخضر استراتيجي منذ عقد ونصف؟.
أمام هذا الوضع المربك، تصاعدت دعوات إلغاء العيد على مواقع التواصل، ويتجه الكثيرون إلى عدم الاحتفال بالشعيرة هذا العام.
كما قفزت إلى دائرة الضوء الكثير من الأسئلة لعل أبرزها، أين اختفى العيد، ببساطته وبقدسيته وبشرط الاستطاعة الذي ربطه الدين بالشعائر، بل إنه ربطه بركن من أركان الإسلام هو الحج، فهل يسقط الشرط امام سنة مؤكدة هي الأضحية؟
إن ما نعيشه اليوم لا يمت بصلة للعيد الكبير المغربي الأصيل الذي عشناه ونحن أطفال، العيد هذا العام يرتدي جبة رأسمالية مفزعة، تنتقم من جيوب المغاربة ومدخراتهم البسيطة.
العيد هذا العام يبدو غريبا مستوردا لا يعرفنا ولا نعرفه وكأنه تعرض لعملية قرصنة غير مفهومة !
ما الذي سيفعله المواطن في هذه المعجنة وهو يواجه موجة غلاء كاسحة، مستقبلا الصيف وأسعاره الملتهبة. صيف يعقبه الدخول المدرسي بكل ما يتطلبه من مصاريف؟
إن إنقاذ شعيرة العيد من براثن الجشع والتخاذل مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود من مختلف الفاعلين، بدءًا من الحكومة التي يجب عليها التدخل لضبط الأسعار وحماية المستهلك، مرورًا بالجمعيات المدنية التي تُدافع عن حقوق المواطنين، وصولًا إلى المواطن نفسه الذي يجب عليه أن يُمارس وعيا استهلاكيا ويُقاطع التجار الجشعين.
لا ينبغي أن نفقد بوصلة العيد الكبير الحقيقية، فجوهر العيد يكمن في التكافل والتراحم ونشر البهجة، لا في التباهي بمظاهر المادية وحجم الأضاحي والمتاجرة في الأزمات.
اذكى ما لفت انتباهي في هذا المقال التحليلي الجاد والتميز هو جملة واحدة قصيرة لكنها ذات بعد نظر ثاقب يكون هو افض دواء للداء الذي اصاب الأداء بسبب الغلاء:
” المواطن نفسه الذي يجب عليه أن يُمارس وعيًا استهلاكيًا ويُقاطع التجار الجشعين”.