انطلقت خلال الأسابيع الأخيرة حملة موسعة للتحقيق في اختلالات وخروقات عرفتها جماعات ترابية بعدد من أقاليم المملكة، حيث شرعت الفرق الجهوية للشرطة القضائية والدرك الملكي، بتعليمات من السلطات القضائية المختصة، في الاستماع إلى عدد من رؤساء الجماعات المحلية، المنتمين إلى الأغلبية والمعارضة، من بينهم من غادر الساحة السياسية والانتخابية، غير أن شبهات الفساد ما تزال تلاحقه، في مشهد يؤشر على تحول لافت في تعامل الدولة مع قضايا تدبير الشأن المحلي.
وتكشف يومية الصباح في عددها الأخير أن هذه التحركات الأمنية والقضائية شملت جماعات في أقاليم وزان وسيدي سليمان والخميسات والقنيطرة وأزيلال، حيث تم الاستماع إلى منتخبين ومسؤولين إداريين وفنيين، ضمنهم رؤساء جماعات حاليين وسابقين، وذلك على خلفية تقارير رقابية أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية، رصدت فيها مجموعة من الخروقات التي تمس شرعية القرارات وتدبير الموارد المالية والبشرية.
ومن بين الملفات التي أثارت اهتمام المحققين، ما يتعلق بالتسيير الإداري لجماعة ترابية بإقليم الخميسات، حيث استمعت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط، مؤخرًا، إلى مدير المصالح السابق للجماعة، إلى جانب رئيس مصلحة الأشغال، وتقنيين وموظفين جماعيين، وذلك بناء على تعليمات من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعاصمة، في إطار الأبحاث الجارية حول خروقات متعلقة بالتدبير العمومي.
وفي تحرك موازٍ، أقدم بعض العمال في أقاليم مختلفة على توقيف رؤساء جماعات ومنتخبين، فيما تم توجيه استفسارات مكتوبة لآخرين، في انتظار اتخاذ قرارات تجريدهم من مهامهم التمثيلية. وتُشير مصادر الجريدة إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد إحالة ملفات هؤلاء المسؤولين على أنظار المحكمة الإدارية بالرباط، في سياق مسطرة العزل التي باتت من اختصاص السلطة القضائية الإدارية، بموجب القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات المحلية.
وتضيف الصباح أن عدداً من عمال الأقاليم، الذين يوجدون في مفترق طرق بين الترقية والتنقيل أو الإحالة على التقاعد، اختاروا مواجهة ملفات الفساد بإجراءات عملية، تمثلت في توجيه ضربات مباشرة إلى رؤساء جماعات، من بينهم أسماء سياسية معروفة، وموظفون وتقنيون متورطون في خروقات موثقة.
وتعود هذه التطورات إلى نتائج مهام تفتيش أجرتها المفتشية العامة للإدارة الترابية في عدد من الجماعات، حيث أنجزت قرابة عشرين مهمة رقابية، همّت ملفات شائكة تتعلق بالتعمير، وتدبير العقارات الجماعية، ومنح رخص وصفت بـ"المزورة"، إلى جانب قضايا مرتبطة بتبديد المال العام وسوء تدبير الصفقات العمومية.
كما تشمل هذه المهام، وفق الجريدة، تقديم الدعم والتوجيه للولاة والعمال في مراقبة شرعية قرارات رؤساء المجالس، ومقررات الجماعات الترابية، في إطار الصلاحيات الإدارية المخولة لهم. وتأتي هذه الإجراءات في ظل تزايد الشكايات الواردة على المصالح المركزية لوزارة الداخلية، بخصوص خروقات تهم تدبير الشأن المحلي.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة للجريدة أن ما وصفته بـ"موسم قطف رؤوس" بعض المسؤولين المحليين قد بدأ بالفعل، ولن يتوقف في المستقبل القريب، مشيرة إلى أن الملفات التي سيتم إحالتها على القضاء تشمل رؤساء جماعات متورطين في قضايا فساد واختلالات خطيرة، باستثناء من سيتم تبرئتهم من قبل المحاكم الإدارية.
وأكدت المصادر ذاتها أن رؤساء جماعات ينتمون لأحزاب الأغلبية الحاكمة لن يكونوا بمنأى عن المتابعة، وأن عدداً منهم سيتم عزله قبل موعد الانتخابات الجماعية المقبلة، كما سيتم تحويل ملفاتهم إلى محاكم جرائم الأموال بمختلف جهات المملكة.
وفي خطوة تعكس تغييراً في طريقة تدبير وزارة الداخلية لملفات التسيير المحلي، حصل بعض الولاة والعمال على الضوء الأخضر من الإدارة المركزية لإحالة ملفات المسؤولين المتورطين على القضاء الإداري، من أجل استصدار قرارات العزل، في ظل القوانين التنظيمية الجديدة التي سحبت سلطة العزل من يد الإدارة الوصية، وأسندتها إلى القضاء.
وتشير هذه التحركات إلى بداية مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق ما يقتضيه الدستور المغربي، خاصة وأن حجم الخروقات التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة بات يشكل مصدر قلق حقيقي للرأي العام، وللسلطات المكلفة بمراقبة وتقييم أداء الجماعات الترابية.