أظهرت دراسة علمية حديثة، نشرت في مجلة Scientific Reports، تحولات كبيرة في الممارسات الزراعية التقليدية وسبل العيش الريفية في جبال الأطلس الكبير بالمغرب، وذلك نتيجة للتغيرات البيئية والاقتصادية التي أثرت بشكل جوهري على المجتمع المحلي.
ركزت الدراسة على واحة تزي ن أوشگ، التي تقع في جبال الأطلس الكبير على بعد 60 كيلومترًا من مدينة مراكش، حيث تم تحليل التغيرات في استخدام الأراضي وأنماط الزراعة بين عامي 1967 و2022. وبيّنت النتائج تراجع الأنشطة الزراعية، حيث انخفضت المساحة المزروعة من 13 هكتارًا إلى 6.8 هكتار.
وأوضحت الدراسة أن هذا التراجع يعود إلى عدة أسباب رئيسية، منها نقص الموارد المائية، والهجرة المتزايدة، بالإضافة إلى تقسيم الأراضي بين الورثة مما أدى إلى تفتيت الحقول الزراعية. في المقابل، تضاعفت المساحات العمرانية أربع مرات نتيجة للاستثمارات من المهاجرين العائدين ومن المنظمات غير الربحية التي ساهمت في المنطقة.
كما أشارت الدراسة إلى أن هذا التحول في الاقتصاد المحلي أدى إلى تغيير جذري في مصادر دخل السكان، حيث أصبح 87% من الأسر تعتمد على العمل في المدن، خاصة في مجالات البناء والسياحة والتجارة. وقد أدى ذلك إلى تراجع الزراعة كمصدر دخل رئيسي، حيث أصبحت التحويلات المالية من العاملين خارج الواحة المصدر الأساسي للعديد من الأسر.
وفيما يتعلق بالزراعة، لفتت الدراسة إلى أن نقص المياه وصعوبة الوصول إلى الحقول البعيدة أثرا سلبًا على أنماط الزراعة التقليدية، مما أدى إلى تراجع الزراعة المتعددة المحاصيل لصالح الزراعة الأحادية، مثل زراعة الشعير، التي تتطلب جهدًا أقل. كما أظهرت البيانات أن أكثر من نصف الحقول ظلت غير مزروعة بين عامي 2016 و2022، مما يعكس انخفاض الاهتمام بالزراعة كمصدر رئيسي للرزق.
وفيما يخص البنية التحتية، أكدت الدراسة أن هناك تحسينات ملحوظة في السنوات الأخيرة، حيث تم تجديد أنظمة الري وبناء أحواض جديدة وتوسيع القنوات المائية التقليدية لتحسين توزيع المياه. ومع ذلك، لم تكن هذه التطورات كافية لتعويض تراجع الموارد المائية نتيجة للتغيرات المناخية والهجرة، حيث لا تزال بعض المناطق تعاني من نقص المياه.
وأشارت الدراسة إلى أن السياسات الزراعية الوطنية لم تكن كافية لدعم الفلاحين في الواحة، حيث ركزت الحكومة على سياسات تخدم المستهلكين على حساب المنتجين، ما أدى إلى منافسة غير متكافئة بين الفلاحين المحليين والمزارعين الكبار في الأسواق الوطنية والدولية، مما صعب على صغار المزارعين تسويق منتجاتهم بأسعار تنافسية.
من جهة أخرى، نوهت الدراسة إلى التأثير الإيجابي للسياحة على الاقتصاد المحلي للمنطقة، حيث أصبحت مصدرًا رئيسيًا للوظائف والدخل. كما ساهم تطوير البنية التحتية السياحية في تحسين ظروف المعيشة، ولكن ذلك لم يكن كافيًا للحفاظ على الزراعة التقليدية.
وأوصت الدراسة بدمج الزراعة والسياحة من خلال مبادرات ترويجية تبرز التراث الزراعي للمنطقة، مما سيسهم في خلق توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة الزراعية. كما دعت إلى تقديم حوافز مالية للفلاحين للحفاظ على الإنتاج الزراعي التقليدي، وتعزيز قدرة المنتجات المحلية على المنافسة في الأسواق من خلال شهادات الجودة والعلامات التجارية.