الكتاني يُعَدّد أثر التساقطات المطرية الأخيرة على الاقتصاد الوطني

في سياق مناخي استثنائي، أعادت التساقطات المطرية المهمة التي شهدتها مختلف مناطق المملكة خلال الأسابيع الأخيرة الأمل في إنعاش عدد من المؤشرات الاقتصادية، بعدما انعكست بشكل مباشر على تحسن حقينة عدد من السدود، في وقت كان فيه شبح الإجهاد المائي يلقي بظلاله على آفاق النمو.

ويرى خبراء في الاقتصاد أن هذه التساقطات لا تكتسي فقط بعدا ظرفيا مرتبطا بالموسم الفلاحي، بل تحمل في طياتها آثارا بنيوية على الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى الوزن غير المباشر للقطاع الفلاحي داخل منظومة الإنتاج، وتأثيره المتشعب على باقي القطاعات المرتبطة به.

في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، في تصريح خص به “بلبريس” أن الموسم المطري الحالي يعد من بين المواسم النادرة خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن أهميته تكمن أساسا في انعكاساته الاقتصادية، رغم ما صاحبته من بعض الخسائر الموضعية الناتجة عن الفيضانات في عدد من المدن.

ويوضح الكتاني أن الأثر الإيجابي للأمطار على القطاع الفلاحي يظل حاسما، بالنظر إلى الدور المحوري الذي يلعبه هذا القطاع في تحريك النمو الاقتصادي.

وبحسب تحليل الكتاني، فإن الاقتصاد المغربي يحقق في المتوسط نسب نمو تتراوح ما بين 3.5 و5.5 في المائة، ويسهم القطاع الفلاحي بما لا يقل عن ثلث هذا النمو، رغم أن مساهمته المباشرة في الناتج الداخلي الخام لا تتجاوز حوالي 13.5 في المائة، أي أقل من السدس.

هذا التفاوت، يضيف الخبير، يعكس ما يسميه بـ “الأثر المضاعف” للإنتاج الفلاحي، حيث يمتد تأثيره ليشمل قطاعات أخرى، سواء عبر الطلب على المدخلات، أو من خلال تحريك الاستهلاك والخدمات المرتبطة بالأنشطة الحضرية.

ويبرز الكتاني أن المستفيد الأول من تحسن الموسم الفلاحي يظل سكان العالم القروي، خاصة الفئات الأقل دخلا، غير أن المدن بدورها تجني مكاسب غير مباشرة، نتيجة ارتفاع الطلب على المنتجات والخدمات، ما يخلق دينامية اقتصادية تشمل مختلف جهات المملكة.

وفي هذا الإطار، يعتبر المتحدث أن التساقطات المطرية تشكل رافعة اقتصادية وطنية، لا تقتصر آثارها على مجال جغرافي أو فئة اجتماعية بعينها.

وفي قراءته للمرحلة المقبلة، ينبه الخبير الاقتصادي إلى أن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في تسجيل موسم مطري جيد في سنة واحدة، بل في تحويل هذه الوفرة المائية إلى عنصر استدامة، عبر تدبير عقلاني للموارد المائية، وتفادي منطق الهدر الذي طبع فترات سابقة.

كما يشدد على ضرورة أن تنعكس ثمار هذا الانتعاش الفلاحي على مختلف مكونات المجتمع، تفاديا لتمركز الاستفادة في يد فئات محدودة.

ويخلص الكتاني إلى أن الأمطار الأخيرة، التي شملت أغلب مناطق المغرب، أعادت طرح سؤال قيمة الماء داخل نموذج التنمية، خاصة في بلد يقع ضمن منطقة مهددة بالتصحر.

فاستمرار الأثر الإيجابي لهذه التساقطات يظل رهينا بحسن التدبير، وترسيخ سياسات اقتصادية ومائية تضمن تحويل هذه النعمة الظرفية إلى رافعة حقيقية للنمو، قادرة على دعم الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *