نظمت كلية العلوم القانونية والسياسية بالقنيطرة، بتعاون مع مختبر الدراسات والأبحاث في القانون والعلوم السياسية، وفريق البحث في الدراسات السياسية والدستورية، وفريق البحث في السياسات العمومية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، يوم الخميس الماضي، يوما دراسيا خُصص لتناول المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، بموضوع “”المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب ورهان تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب”.
ويأتي هذا اللقاء في سياق علمي يروم تحليل الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات، واستجلاء أهم التحولات التي تعرفها الممارسة الانتخابية بالمغرب، بما يساهم في فهم أعمق لآليات اشتغال هذه المنظومة وتعقيداتها.
فتيحة بشتاوي : “سؤال الثقة في المنظومة الانتخابية المرتقبة”
أبرزت الأستاذة الباحثة فتيحة بشتاوي أن انتخابات 2026 تكتسي طابعا تاريخيا، لأنها لا تنحصر في الرهانات السياسية فقط، بل تمتد إلى أبعاد اقتصادية واجتماعية مرتبطة بتنظيم كأس العالم مع البرتغال وإسبانيا، مشددة على أن المغرب مقبل على احتضان تظاهرات عالمية كبرى، ما يجعل أنظار الملاحظين الدوليين متجهة نحوه خلال هذه المحطة الانتخابية.
وأوضحت أن الدولة تراهن بشكل واضح على الرفع من نسبة المشاركة في الاستحقاقات المقبلة، مع السعي إلى استرجاع الثقة الانتخابية واستقطاب كفاءات سياسية قادرة على تجديد النخب وتعزيز الممارسة الديمقراطية.
وربطت هذا التوجه بمضامين مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 المعدل للقانون 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والذي يقر إغلاق باب الترشيح في وجه الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية بالعزل من مناصب انتدابية، مع إسقاط أهليتهم للترشح في انتخابات 2026.
وبيّنت بشتاوي أن المشروع ينص كذلك على منع الترشح على كل من صدر في حقه حكم نهائي بالعزل، أو حكم سالب للحرية، أو عقوبة حبسية موقوفة التنفيذ، إضافة إلى إدراج حالات التلبس بجناية أو جنحة ضمن أسباب فقدان الأهلية، استنادا إلى المادة 7 من القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الإعلام العمومية خلال الحملات الانتخابية.
وواصلت شرحها، مؤكدة أن النص التشريعي يشدد المقتضيات على هذه الفئة بمنحها حق استرجاع الأهلية الانتخابية فقط بعد مرور دورتين انتخابيتين كاملتين على صدور الحكم النهائي، مع استثناء المدانين في قضايا جنائية بالعقوبات الموقوفة التنفيذ. وأضافت أن المشروع ينص على تجريد كل نائب من عضويته إذا وُضع رهن الاعتقال لأكثر من ستة أشهر بناء على قرار من النيابة العامة المختصة.
وتطرقت بشتاوي أيضا لموضوع التنافي، إذ أشار المشروع إلى إمكانية الجمع بين عضوية البرلمان ورئاسة جماعة يفوق عدد سكانها 300 ألف نسمة، خلافا لما جاء في المادة 13 في صيغتها السابقة. وقالت إن هذا التوجه أثار نقاشا حادا بين من يرى فيه دعما للترافع المركزي على قضايا الساكنة، وبين من يعتبر أن تدبير الجماعات الكبرى يتطلب تفرغا كاملا، ما يستدعي توسيع حالات التنافي بدل تضييقها.
وختمت بالتأكيد على أن الحاجة اليوم ملحّة لإصلاحات سياسية عميقة داخل المنظومة الانتخابية، وليس فقط إدخال تعديلات تقنية على النصوص القانونية. وشددت على أن الأحزاب مطالبة بالقيام بدورها في محاربة الفساد، ودعم الكفاءات، والابتعاد عن تزكية الأسماء التي تحوم حولها شبهات، حفاظا على نزاهة العملية الانتخابية وثقة المواطنين في المؤسسات.
وائل أوشن : “معايير تخليق العملية الانتخابية في ظل مشاريع القوانين الانتخابية”
من جانبه قال الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والسياسية جامعة ابن طفيل، وائل أوشن، إن تخليق العملية الانتخابية يشكّل جوهر الرهان الديمقراطي المرتبط بالاستحقاقات المقبلة، مستحضرا مشروع القانون رقم 53.25 الذي يقترح تعديلات جوهرية على القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب.
وأضاف أوشن، أن النص الجديد يتجه نحو التشديد في مسألة فقدان الأهلية، بحيث يشمل المتابعين في حالة اعتقال والمدانين ابتدائيا في الجنايات المرتبطة بالاختلالات الانتخابية، في حين كان القانون السابق يشترط حكما نهائيا مكتسبا لقوة الشيء المقضي به. وتابع متسائلا عن مدى انسجام هذا التوجه مع مبدأ دستوري راسخ يتعلق بقرينة البراءة كما تنص عليها الفقرة الثالثة من الفصل 23 من الدستور، معتبرا أن هذا النقاش يظل مفتوحا بين مقتضيات الردع وضمانات العدالة.
وتابع رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية، موضحا، خلال اليوم الدراسي المنظم بكلية العلوم القانونية والسياسية بالقنيطرة حول موضوع “المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب ورهان تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب”، من طرف مختبر الدراسات والأبحاث في القانون والعلوم السياسية، وفريق البحث في الدراسات السياسية والدستورية، وفريق البحث في السياسات العمومية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، أن مشروع القانون حاول أيضا تعزيز حياد السلطة عبر التنصيص على منع موظفي وزارة الداخلية من الترشح، تفاديا لأي شبهة استغلال للنفوذ خلال العملية الانتخابية.
وقال إن هذا الإجراء يندرج ضمن رغبة واضحة في إعادة الثقة في تدبير الانتخابات وتحقيق مسافة أمان بين الإدارة والتنافس السياسي.
وأشار أوشن في جانب آخر إلى أن المشروع اتجه لتضمين مقتضيات جديدة تتعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، من خلال تقنين نشر الإعلانات والمنشورات الرقمية، مضيفا أن هذا التوجه يعكس وعيا رسميا متزايدا بالتحديات الجديدة التي تفرضها التقنيات الحديثة، سواء على مستوى التأثير أو التضليل.
وانتقل المتحدث إلى الحديث عن مظاهر الفساد الانتخابي، قائلا إن المشروع يشدد الرقابة داخل مكاتب التصويت، بعدما أصبح معزل التصويت مكشوفا بشكل يسمح لرئيس المكتب بمراقبة أي محاولة لتصوير ورقة التصويت مقابل المال خارج المكتب. وتابع أن هذه الخطوة تأتي في سياق مواجهة ظواهر شراء الذمم التي لطالما أضرت بنزاهة الاستحقاقات في مراحل سابقة.
وفي ما يتعلق بالدعم المادي المخصص للشباب، أوضح أوشن أنه يمثل فرصة لتشجيع المشاركة السياسية وفتح المجال أمام الوجوه الشابة. لكنه عاد ليطرح تساؤلا محوريا: من أوصل الشباب إلى فقدان الثقة في الأحزاب السياسية؟ وتساءل أيضا عما إذا كانت هذه الأحزاب قادرة فعلا على تبني الشباب المدعومين وتمكينهم من ولوج العملية الانتخابية، مؤكدا أن إعادة الثقة لا يمكن أن تتحقق فقط من خلال الدعم المالي، بل تتطلب أيضا تجديدا عميقا في الممارسات الحزبية.
أمين السعيد : “تحولات المنظومة الانتخابية بين المسار الإصلاحي والتحديات البنيوية”
أما أستاذ القانون الدستوري، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بنغبد الله بفاس، أمين السعيد قال في مداخلته، إن النقاش الدائر حول إصلاح المنظومة الانتخابية يتجه نحو إقرار التعديلات قبل نهاية سنة 2025، انسجاما مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تهييء جيد للاستحقاقات المقبلة.
وأوضح أن هذا المسار يختلف عن التجارب السابقة التي اتسمت بضيق الزمن التشريعي، حيث تمت مناقشة مشاريع القوانين الانتخابية في دورة استثنائية لم تتجاوز 29 ساعة و45 دقيقة، إضافة إلى توقف المشاورات آنذاك بسبب جائحة كورونا، بخلاف محطات سابقة كانت تشهد مفاوضات أوسع بين الفاعلين السياسيين.
وأشار السعيد إلى أن العرف السياسي كان يرتكز دائما على مبدأ التوافق أو على الأقل الحرص على الحد الأدنى منه، غير أن النقاش الحالي يعيد طرح أسئلة جوهرية حول فعالية الآليات المقترحة، خصوصا تلك المرتبطة بتشجيع مشاركة الشباب.
وتابع السعيد حول مشروع قانون تنظيمي رقم 53.25 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والإشارة للدعم المخصص للشباب أقل من 35 سنة، “فالدعم المالي المخصص لهم ـ كما ورد في مشروع القانون ـ يأتي بعد انتهاء العملية الانتخابية، وهو ما وصفه بـ”اكتشاف الدواء بعد الموت”، لأن المرشح الشاب يكون في أمس الحاجة للدعم قبل خوض الحملة وليس بعدها”.
وانتقد المتحدث اختلالات التقطيع الانتخابي التي تؤثر على تمثيلية المواطنين وعلى العدالة المجالية. وضرب مثالا بدائرة خريبكة التي تضم أزيد من نصف مليون نسمة مقابل ستة مقاعد فقط، في حين أن مدنا ومناطق مجاورة كواد زم لا تُدرج ضمن دوائر انتخابية مستقلة، ما يدفع المرشحين إلى تركيز حملاتهم داخل خريبكة بحثا عن الأصوات، بينما تبقى المناطق المجاورة بدون برلمانيين يمثلون سكانها أو يترافعون عن قضاياهم داخل مجلس النواب.
وتوقف السعيد عند حالات أخرى تُبرز عمق الإشكال، مثل تخصيص ثلاثة مقاعد لإقليم فكيك الذي يضم 144 ألف نسمة فقط، مقابل العدد نفسه لإقليم زاكورة الذي يتجاوز 285 ألف نسمة، في تناقض واضح مع مبادئ الإنصاف الانتخابي. واعتبر أن معالجة هذه الاختلالات بات ضرورية لضمان تمثيلية متوازنة وفعالة.
وفي ما يتعلق بالدعم الموجه للشباب، أبرز السعيد أن التقطيع الانتخابي وتكاليف الحملات يجعل هذا الدعم عديم الجدوى في صورته الحالية. فمدينة خريبكة وحدها تضم 800 مكتب تصويت، ما يعني أن مرشحا شابا يحتاج إلى ما لا يقل عن 8 ملايين سنتيم لتغطيتها بملاحظين، باحتساب 100 درهم لكل مكتب كحد أدنى، دون احتساب تكاليف الطبع والتوزيع والتنظيم اللوجستيكي. وهو ما يجعل المسار الانتخابي مكلفا وغير متاح لشريحة واسعة من الشباب رغم الخطاب الرسمي الداعي إلى إشراكهم.
وختم السعيد مداخلته بالتأكيد على أن إصلاح المنظومة الانتخابية يتطلب معالجة شاملة تجمع بين إعادة النظر في التقطيع، وتطوير آليات الدعم، وضمان التوافق السياسي، بما يعزز ثقة المواطنين في المؤسسات ويرفع من جودة التمثيلية الديمقراطية.
محمد العوفي : “بين اقتراع وشرعية التمثيل : إطار نظري للبعد الديمقراطي في العمليات الانتخابية بالدول النامية”
وكشف الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، محمد العوفي، إن فهم العلاقة الدقيقة بين الاقتراع وشرعية التمثيل يظل مدخلا مركزيا لتقييم البعد الديمقراطي في العمليات الانتخابية داخل الدول النامية، مؤكدا أن أي نقاش حول إصلاح المنظومة الانتخابية لا يمكن أن ينفصل عن سؤال الشرعية الذي يمنح للعملية الانتخابية قيمتها ووزنها داخل المجتمع.
وأضاف أن التعاطي مع الانتخابات باعتبارها مجرد تقنية لتجديد النخب أو فرز النتائج، يختزل جوهر العملية الديمقراطية، التي تقوم في الأصل على بناء الثقة وترسيخ المصداقية وضمان عدالة المنافسة.
وجاءت مداخلة العوفي في يوم دراسي نظمته كلية العلوم القانونية والسياسية بالقنيطرة، عبر مختبر الدراسات والأبحاث في القانون والعلوم السياسية، وفريق البحث في الدراسات السياسية والدستورية، وفريق البحث في السياسات العمومية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، حول موضوع: “المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب ورهان تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب”.
وقد ركز الباحث على تفكيك الأسس النظرية التي تؤطر شرعية الاقتراع، مستندا إلى تجارب مقارنة ومعطيات دولية حديثة.
وأوضح العوفي أن موقع المغرب في التقييم الدولي للأبعاد الديمقراطية في العمليات الانتخابية يمكن قراءته اليوم من خلال المعطيات التي يقدمها مشروع نزاهة الانتخابات، وهو مشروع أكاديمي مستقل تأسس سنة 2012، بشراكة بين الكلية العسكرية الملكية الكندية وجامعة إيست أنجليا ببريطانيا، ويقيس جودة الانتخابات حول العالم طوال الدورة الانتخابية، إذ يعتمد هذا المشروع أربعة مؤشرات رئيسية: التنافس الانتخابي، والمشاركة تصويتا وترشيحا، والتداول في النتائج، والبت في النزاعات الانتخابية.
وبحسب التقرير الدولي لسنة 2024، فقد تصدرت كل من أوروغواي وليتوانيا وفنلندا وأيسلندا قائمة أفضل التجارب الانتخابية من حيث النزاهة، فيما جاءت أسوأ التجارب في كل من سوريا ورواندا وتشاد وإيران وبيلاروسيا، وهو ما يعكس الفوارق العميقة في قدرة الدول على تأمين منافسة عادلة وضمان استقلالية الإدارة الانتخابية.
وانتقل العوفي إلى تحليل وضع المغرب داخل التقرير العالمي لنزاهة الانتخابات لسنة 2025، مبرزا أن تقييم التجربة المغربية يتم عبر مجموعة من العناصر الدقيقة، تشمل القوانين المنظمة، والإدارة الانتخابية، وحياد عملية الفرز وإعلان النتائج، والتمويل السياسي، وتسجيل الأحزاب، وأدوار وسائل الإعلام، مع مقارنتها بالمتوسط العالمي. واعتبر أن التقدم المسجل خلال السنوات الأخيرة يظل ملحوظا على مستوى التنظيم القانوني والإداري، إلا أن التحدي الأكبر ما يزال مرتبطا بمدى قدرة المنظومة على تعزيز الثقة الشعبية وتوسيع المشاركة، بما يضمن الارتقاء في سلم النزاهة الدولية.
وشدد الباحث على أن الدول النامية، ومنها المغرب، تحتاج إلى بناء مسار تدريجي يزاوج بين إصلاح القوانين وتطوير الممارسات، مع توسيع قاعدة الفاعلين وضمان الشفافية في التمويل والعمل الحزبي، مؤكدا أن شرعية التمثيل لا تُستمد من صناديق الاقتراع وحدها، بل من جودة العملية برمتها منذ التسجيل إلى إعلان النتائج، مرورا بضمان منافسة عادلة وفض نزاعات انتخابية في آجال معقولة.
واختتم العوفي مداخلته بالتأكيد على أن ارتقاء المغرب في المؤشرات الدولية يمر عبر ربط الإصلاح الانتخابي برهانات ديمقراطية أوسع، ترتبط بالثقة السياسية، واستقلالية المؤسسات، وحيوية المشهد الحزبي، وهي شروط برأيه كفيلة بتحويل الانتخابات من لحظة تقنية إلى محطة تأسيسية في البناء الديمقراطي.
رشيد ركبان : “المداخل الأساسية لإصلاح المنظومة القانونية للانتخابات بالمغرب”
هذا وقدّم الأستاذ الباحث بكلية العلوم السياسية والقانونية بجامعة ابن طفيل، رشيد ركبان، مداخلة أكد فيها أن المغرب يوجد اليوم أمام “فرصة حقيقية لإصلاح عميق للمنظومة الانتخابية والقوانين المؤطرة لها”، مشددا على أن هذا الورش لم يعد تفصيلاً تقنياً بل أصبح ضرورة لضمان شرعية الممارسة الديمقراطية.
وأضاف ركبان، خلال اليوم الدراسي الذي نظمته كلية العلوم القانونية والسياسية بالقنيطرة عبر مختبر الدراسات والأبحاث في القانون والعلوم السياسية، وفريق البحث في الدراسات السياسية والدستورية، وفريق البحث في السياسات العمومية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، حول موضوع “المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب ورهان تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب”، أن أحد الاختلالات الكبرى يتمثل في ضعف الانخراط الشعبي. وبيّن أن “ثلث المغاربة غير مسجلين في اللوائح الانتخابية، وثلثي المسجلين ثلثهم فقط يصوتون، ما يعني أننا عملياً أمام ثلث المواطنين الذين يشاركون في العملية الانتخابية”.
وتابع الباحث أن الورش الحالي انطلق بتوجيه ملكي يعتمد المقاربة التشاركية، مورداً أن “المؤسسة الملكية دأبت على هذا النهج كلما تعلق الأمر بقضايا مجتمعية كبرى”، وهو ما يمنح إصلاح المنظومة الانتخابية زخماً توافقياً ضرورياً.
وفي تعليقه على الجدل المتعلق بالأهلية الانتخابية لمن صدرت في حقهم أحكام ابتدائية في قضايا جنائية أو ضُبطوا في حالات تلبس لها علاقة بالعملية الانتخابية، أوضح ركبان أن هذه المقتضيات “تمس قرينة البراءة بشكل مباشر، وهي مبدأ دستوري لا يمكن التفريط فيه”.
وقال إن كون المشروع قانوناً تنظيمياً يضعه مباشرة تحت المراقبة القبلية للمحكمة الدستورية، موضحاً أن هذه الأخيرة ستكون أمام احتمالين: “إما التصريح بعدم مطابقة بعض المواد للدستور، أو استحضار نية المشرع في محاربة الفساد وتمريرها”، ما يجعل النقاش مرتبطاً بتوازن دقيق بين تخليق الحياة السياسية وحماية الحقوق الدستورية.
وأكد ركبان أن “الانتخابات مسؤولية مشتركة” تشمل الأحزاب والإعلام والقضاء، محذرا من أن أي إصلاح لن يكون ناجعا ما لم يتفاعل معه الجميع بوعي ومسؤولية. وختم بالتشديد على أن إصلاح المنظومة الانتخابية “ورش بنيوي قادر على حماية شرعية الانتخابات وتعزيز الثقة في البناء الديمقراطي بالمغرب”.
بنبراهيم : “الاستهداف الخوارزمي وصناعة الصورة السياسية: مقاربة تحليلية للممارسات الاتصالية الرقمية في الحملات الانتخابية”
من جهتها قالت الأستاذة الباحثة بكلية العلوم السياسية والقانونية بجامعة ابن طفيل، أمال بنبراهيم، في مداخلتها العلمية حول موضوع “الاستهداف الخوارزمي وصناعة الصورة السياسية”، إن التحولات الرقمية المتسارعة أعادت تشكيل هندسة الاتصال السياسي، وجعلت الخوارزميات فاعلا مركزيا في توجيه الرأي العام وصناعة التفضيلات الانتخابية. وأكدت أن الحملات الانتخابية لم تعد تعتمد على الخطاب الجماهيري التقليدي، بل أصبحت تُبنى على تحليل دقيق لسلوكيات الأفراد ورسم صور سياسية مفصلة لكل فئة، وأحياناً لكل شخص على حدة.
وترى بنبراهيم أن الذكاء الاصطناعي، رغم إمكاناته في تطوير العملية الانتخابية وتحسين فهم توجهات الناخبين، يحمل في طياته مخاطر جوهرية أبرزها انتشار التزييف العميق، تضخم الحسابات الوهمية، هشاشة الفضاء السيبراني، وظهور “الوكلاء الأذكياء” القادرين على محاكاة البشر والتلاعب بالخطاب العام. وتشدد على أن هذه التحولات تجعل الذكاء الاصطناعي أشبه بـ“فرانكشتاين القرن الحادي والعشرين” إذا لم يُضبط بمنظومة قانونية وأخلاقية صارمة.
وانطلقت بنبراهيم من ثلاث عدسات نظرية لتفسير التحولات البنيوية داخل الفضاء العمومي الرقمي، بدءاً من نظرية هابرماس التي تؤكد ضرورة وحدة المجال العمومي، وهو الشرط الذي تتفكك مقوماته اليوم بسبب “التغذية الخوارزمية” التي تصنع فضاءات شخصية منفصلة لكل فرد. كما استحضرت نظرية العنف الرمزي لبورديو التي تكشف انتقال القوة الرمزية من الفاعل السياسي إلى المنصّات الرقمية التي تتحكم في ترتيب الظهور وتضخيم الخطاب. فيما قدمت نظرية “الحكم الرقمي الناعم” لكاردون وغليسبي وبوشر تفسيراً لكيفية تحول المنصّات إلى أنماط حكم غير مرئية تتحكم في مستويات الظهور والانتباه والتخصيص.
ومن الجانب القانوني، اعتبرت بنبراهيم أن مشاريع القوانين 53.25 و54.25 و55.25 شكلت خطوة مهمة على طريق ضبط الممارسات الرقمية، خصوصاً مع تجريم نشر المحتوى الانتخابي يوم الاقتراع أو فبركة الصور والأصوات عبر الذكاء الاصطناعي. لكنها شددت على أن التشريع ما يزال قاصراً عن مواكبة التحديات الجديدة، خاصة في ما يتعلق بالاستهداف الخوارزمي، وشفافية الإعلانات الرقمية، وضبط علاقة الأحزاب بالمعطيات الشخصية وآليات تحليلها.
وأبرزت أن المقاربات الدولية قدّمت نماذج متقدمة في هذا المجال، بدءا من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر الاستعمالات السياسية للذكاء الاصطناعي ضمن فئة المخاطر العالية، وفرض شروطاً صارمة للشفافية وتتبع الخوارزميات، مروراً بالتجربة الفرنسية التي اعتمدت آليات سريعة لمواجهة التضليل الرقمي، وصولاً إلى النموذج الإسباني الذي جعل بيانات الناخبين مجالاً محمياً ومنع الاستهداف السياسي القائم على المعطيات الحساسة.
وختمت بنبراهيم بالتأكيد أن حماية نزاهة الانتخابات في العصر الرقمي تتطلب انتقال التشريع المغربي من ضبط الخطاب إلى ضبط الخوارزميات التي تصنعه، عبر قواعد واضحة للشفافية، تنظيم الإعلانات السياسية الرقمية، الحد من الاستهداف الدقيق، وحماية المعطيات الشخصية للناخبين، بما يضمن صون الفضاء العمومي الرقمي واستدامة الممارسة الديمقراطية.
محمد بولغالغ : ضرورة المشاركة الانتخابية
استهل محمد بولغالغ مداخلته بالتأكيد على ان العزوف عن المشاركة في الانتخابات يشكل ظاهرة عالمية وليست حكرا على المغرب مبرزا ان دولا عديدة اتجهت نحو الإلزامية بشكل غير مباشر حيث ربطت الاستفادة من بعض الخدمات العمومية بالمشاركة في التصويت بهدف تحفيز المواطنين ورفع نسب المشاركة.
شدد الباحث على ان التصويت يشكل واجبا وطنيا قبل ان يكون حقا دستوريا معتبرا انه لا يمكن تصور مواطن يستفيد من التعليم والشغل والصحة دون ان يساهم في اختيار من يدبر هذه القطاعات ويحدد السياسات العامة واشار الى ان المشاركة في الحياة السياسية تظل اساسا لاستمرارية المؤسسات وفعالية عملها.
طرح بولغالغ سؤالا محوريا يتعلق بما اذا كانت الدولة فعلا ترغب في مشاركة الجميع في الانتخابات معتبرا ان هذا التساؤل مشروع ويدعو الى نقاش عميق بين الفاعلين والباحثين خاصة وان نسب المشاركة تحمل دلالات سياسية واجتماعية متعددة قد تكون إيجابية او مثيرة للتحدي.
حمّل المتحدث جزءا كبيرا من مسؤولية العزوف للأحزاب السياسية معتبرا ان المواطنين لا يجدون عرضا سياسيا مغريا ولا برامج انتخابية قادرة على إقناعهم بالانخراط في العملية السياسية واوضح ان غياب مبادرات قوية وخطابات جديدة يعمق فجوة الثقة ويجعل المشاركة خيارا غير محفز لدى فئات واسعة.
اختتم بولغالغ مداخلته بالدعوة الى إعادة بناء المشهد السياسي وتطوير اداء الأحزاب قبل مطالبة المواطنين بالتوجه الى صناديق الاقتراع مؤكدا ان إصلاح الحياة السياسية يتطلب جهدا جماعيا يحقق مصالحة بين الناخب والفاعلين السياسيين ويعيد الاعتبار للعمل الحزبي ويجعل المشاركة قيمة اساسية في البناء الديمقراطي.
فاطمة برصات : “سبل تعزيز مقاربة النوع والمساواة بين المواطنات والمواطنين”
وفي ما يخص الجانب النسائل، قدمت فاطمة برصات، الباحثة بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، مداخلة علمية ضمن اليوم الدراسي المنظم حول المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب ورهان تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب. وتركزت مداخلتها على موضوع سبل تعزيز مقاربة النوع والمساواة بين المواطنات والمواطنين في المشهد السياسي والانتخابي الوطني.
أوضحت الباحثة أن حضور النساء داخل المجال السياسي ما يزال يعرف اضطرابا واضحا، سواء على مستوى المشاركة أو على مستوى التمثيل داخل المؤسسات المنتخبة، مُبرزةً أن الكوطة واللائحة الوطنية والجهوية للنساء أسهمت في إدماجهن داخل مجلس النواب، لكنها اعتبرت هذا الحضور محدودا من حيث الفعالية والاستمرارية، إذ إن العديد من البرلمانيات لا يَعُدْنَ إلى المجلس خلال الولاية الموالية، مما يطرح إشكالا بنيويا في مسار تكوين النخبة النسائية السياسية.
وسجّلت المتدخّلة أن عدد النساء اللواتي يصلن إلى البرلمان عبر الدوائر المحلية ما يزال ضعيفا جدا، وهو ما يعكس استمرار صعوبات مرتبطة ببنية الأحزاب، وطبيعة التنافس الانتخابي، وصورة المرأة داخل أولويات الترشيح السياسي. وأشارت في هذا الصدد إلى وجود مقترحات تروم تشجيع الأحزاب على ترشيح النساء في الدوائر المحلية، من خلال آليات دعم وتحفيز قد تساهم في رفع نسب مشاركتهن وانتخابهن.
كما لفتت الباحثة الانتباه إلى إشكال ضعف حضور النساء في الفضاء الإعلامي، معتبرة أن الفاعلة السياسية لا تُقدَّم إعلاميا بنفس القدر الذي يُبرز فيه الفاعل السياسي الرجل. وأكدت أن هذا التمثيل غير المتوازن ينعكس سلبا على صورتها لدى الجمهور، ويساهم في الحد من فرص بروزها كفاعل سياسي كامل الأدوار والمؤهلات.
واختتمت المتدخّلة مداخلتها بالتأكيد على أن تعزيز مقاربة النوع والمساواة داخل العملية الانتخابية يقتضي رؤية شمولية تشمل إصلاح المنظومة الحزبية، وتقوية التمكين السياسي للنساء، وتجويد الآليات القانونية والتنظيمية، إلى جانب دعم حضورهن في الإعلام باعتباره أحد الفضاءات الحاسمة في صناعة الصورة السياسية.
سعيد السيتر : “سوسيولوجيا الانتخابات بالمغرب : دراسة عوامل التأثير في السلوك الانتخابي”
وفي سياق اخر، قدّم سعيد سيتر، الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، مداخلة ضمن أشغال اليوم الدراسي الذي احتضنته كلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة حول المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب ورهان تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب، إذ ركزت مداخلته على تحليل التحولات الكبرى التي عرفتها الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، وما أفرزته من معطيات مرتبطة بسلوك الناخب والفاعل السياسي على حد سواء.
أثار المتدخل تساؤلات جوهرية حول التغيرات المفاجئة في الخريطة الانتخابية، وتوقف عند مثال بارز يتعلق بحزب سياسي حصل على أكثر من 120 مقعدا في انتخابات 2016 قبل أن يتراجع بشكل حاد إلى 13 مقعدا فقط في انتخابات 2021، معتبرا أن مثل هذا التحول السريع يطرح تساؤلات منهجية حول طبيعة المؤثرات التي قادت إلى هذا الانقلاب في النتائج، سواء كانت عوامل سياسية أو تنظيمية أو اجتماعية أو مرتبطة بطريقة تدبير المرحلة.
وأشار المتدخل إلى أن فهم هذه التحولات يتطلب دراسة معمقة لسلوك الناخب المغربي، باعتباره فاعلا دينامياً يتأثر بعدة عناصر، منها الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومستوى الثقة في المؤسسات، وحضور الأحزاب في الميدان، إضافة إلى تأثير الحملات الانتخابية بمختلف وسائطها. وبيّن أن الناخب لا يتحرك بشكل اعتباطي، بل وفق منظومة معقدة من التفضيلات والانتظارات والتجارب السابقة.
كما أكد أن سلوك الفاعل السياسي بدوره يؤثر مباشرة في هذه النتائج، إذ إن طريقة تفاعله مع مطالب المواطنين، وقدرته على التواصل، وطبيعة عرضه السياسي، كلها عناصر تحدد موقعه في التنافس الانتخابي. وشدد على أن العلاقة بين الناخب والفاعل السياسي علاقة متبادلة التأثير، وأن أي خلل في أداء الفاعل السياسي ينعكس بسرعة على اختيارات الناخب داخل صناديق الاقتراع.
واختتم المتدخل بالإشارة إلى أن قراءة التحولات الانتخابية بالمغرب لا يمكن أن تتم بمعزل عن التطورات الاجتماعية والسياسية التي طبعت السنوات الأخيرة، وأن تعميق البحث في هذا المجال يظل ضرورة ملحة لفهم ديناميات الحقل السياسي وتعزيز صلابة الممارسة الديمقراطية.