في جلسة برلمانية مشحونة بنقاشات قوية، تحولت الأقاليم الجنوبية إلى محور اهتمام النواب الذين أجمعوا على أن النموذج التنموي بها قطع أشواطًا مهمة، لكنه ما زال يحتاج إلى نفس جديد يضمن الاستدامة، ويحوّل هذه المناطق إلى قاطرة حقيقية للنمو الوطني، انسجامًا مع الرؤية الملكية المتبصرة التي جعلت من الصحراء المغربية فضاءً للريادة والاستقرار.
رشيد حموني: التنمية تحتاج إلى إرادة وحكامة فعالة
أكد رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، أن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية “لم يُفعَّل بالكامل رغم النتائج المحققة”، مشيرًا إلى أن الرؤية الملكية المتقدمة تجاوزت المقاربات التقليدية للتنمية، وعمّقت آفاق النمو في المنطقة.
وأوضح أن “الاعتماد على مؤشرات قديمة مثل الكثافة السكانية أو الظروف الاقتصادية الفورية أفرز إخفاقات متراكمة”، مضيفًا أن مشاريع ضخمة مثل الطريق الرابط بين تيزنيت والداخلة ما كانت لتتحقق لولا هذه الرؤية الاستراتيجية الجديدة.
وشدد حموني على أن “التنمية لا تتحقق إلا بالإرادة الحقيقية والحكامة الفعالة”، داعيًا إلى “ضخ نفس ديمقراطي جديد يواكب تفعيل الحكم الذاتي وضمان حقوق العائدين من تندوف”.
حياة لعرايش: الاعتراف الأممي تجسيد للشرعية التاريخية
من جانبها، عبّرت حياة لعرايش، النائبة عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، عن “اعتزاز فريقها بالاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء”، معتبرة ذلك “ترجمة لحكمة الملك وللمشروعية التاريخية للمملكة”.
وأبرزت أن المسار التنموي للأقاليم الجنوبية “بدأ منذ استكمال الوحدة الترابية سنة 1975”، من خلال تأهيل البنيات التحتية وضمان اندماجها في المنظومة الوطنية.
وأضافت أن بداية الألفية الثالثة “عرفت تحوّلًا من منطق الدعم الاجتماعي إلى التنمية المستدامة والتمكين الاقتصادي”، ما انعكس إيجابًا على قطاعات الفلاحة، الصيد البحري، الطاقة والسياحة، وخلق نسيجًا مقاولاتيًا واعدًا.
وأكدت أن النموذج التنموي المعتمد عام 2015 وفّر “استثمارات تجاوزت 77 مليار درهم”، ساهمت في معالجة اختلالات البطالة وضعف خلق الثروة، باعتماد مقاربة تشاركية تقوم على القرب والنجاعة.
عادل السباعي: لا تنمية دون بنية تحتية متوازنة
من جهته، دعا عادل السباعي، عضو الفريق الحركي، الحكومة إلى “مراجعة معايير توزيع الميزانيات بين الجهات”، مشيرًا إلى أن الكثافة السكانية المنخفضة لا يجب أن تكون مبررًا لضعف الاستثمار.
وانتقد محدودية الموانئ في استغلال الثروة السمكية، مطالبًا بتطوير الطرق والموانئ وتعزيز البنية الاقتصادية “لدعم السيادة الاقتصادية للمنطقة وجذب الاستثمارات الدولية”.
كما شدد على ضرورة “تحيين النموذج التنموي لضمان تكامل السياسات العمومية وتعزيز التنمية البشرية والمجالية”.
الباتول أبلاضي: الصحراء قاطرة التنمية القارية
أما الباتول أبلاضي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، فاعتبرت أن مسيرة نصف قرن من العمل الدبلوماسي والتنموي “تُوّجت بإعلان 31 أكتوبر عيدًا للوحدة الوطنية”.
وأكدت أن الطموح الملكي يتمثل في “جعل الصحراء قاطرة للتنمية القارية والإقليمية”، داعية إلى “تفعيل الجهوية المتقدمة وتنزيل ميثاق اللامركزية الإدارية”.
واقترحت إنشاء جامعات ومستشفيات ومناطق اقتصادية حرة، مع اعتماد نظام ضريبي محفز للمستثمرين ومشروط بخلق فرص شغل محلية، والقطع مع اقتصاد الريع، وتشجيع المبادرة الحرة لرفع القيمة المضافة للاستثمارات العمومية والخاصة.
رغم الإجماع البرلماني على ما تحقق من إنجازات، ظل الصوت الغالب في القبة هو الدعوة إلى “نقلة نوعية” في تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، حتى تصبح هذه الربوع مثالًا في الازدهار والسيادة الاقتصادية، وواجهة تبرز للعالم وجه المغرب القوي، الموحد، والمستشرف للمستقبل بثقة.