احتضنت مدينة الداخلة، يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، ندوة دولية كبرى تحت عنوان “المسيرة الخضراء.. ملحمة الوحدة ورهانات التنمية”، نظمها مجلس جهة الداخلة وادي الذهب بشراكة مع مركز منظورّات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية وموقع بلبريس، تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء.
وشكّلت الندوة التي شارك فيها دبلوماسيون وأكاديميون وخبراء من داخل المغرب وخارجه، فضاءً للحوار حول رمزية المسيرة كحدث وطني مؤسس، ونموذج متجدد لبناء الدولة الاجتماعية وتعزيز إشعاع المغرب القاري والدولي.
د.حسن أوريد: المسيرة الخضراء فلسفة متجددة ومسيرة التنمية استمرارٌ لها
حلّ المفكر والمؤرخ والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، حسن أوريد، ضيفاً على الندوة، حيث قدّم مداخلة فكرية رصينة تناول فيها المسيرة الخضراء كحدث وطني مؤسس وكفلسفة مغربية مستمرة تتجدد في مسيرة التنمية.
وقال أوريد إن “المغرب تعرّض عبر تاريخه الحديث لمحاولات التقسيم جراء الاستعمار، ما جعل تحقيق الوحدة الوطنية يتخذ مساراً طويلاً ومتأنياً، اعتمد على الدبلوماسية والحكمة بدل الصدام.”

وأضاف أن من بين المحطات الكبرى في هذا المسار “استكمال الوحدة الترابية باسترجاع الصحراء المغربية وعودتها إلى حضن الوطن الأم.”
وأوضح أن هناك اليوم “مسيرة أخرى رديفة للمسيرة الخضراء، هي مسيرة التنمية”، مؤكداً أن نجاحها رهين بأن “تكون الساكنة المحلية أول من يستفيد من ثمارها.”
وختم أوريد كلمته بالتأكيد على أنه “لا يمكن لأي جهة أن تحتكر الحديث باسم ساكنة الصحراء، فهؤلاء أبناء الوطن، ومن حقهم وواجبهم أن يسهموا في بنائه في إطار السيادة المغربية”، معتبراً أن “روح المسيرة تتجسد اليوم في الإيمان المشترك بالمصير الواحد، وفي الإصرار على بناء مغربٍ موحدٍ ومزدهر”.
د.ميلود بلقاضي: المسيرة الخضراء مدرسة في السلم والشرعية والوطنية
من جهته، استحضر الدكتور ميلود بلقاضي، رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، رمزية المسيرة الخضراء في تاريخ المغرب الحديث، قائلاً: “التاريخ يخلّد القادة الذين يصنعون الشعوب، ومن بين هؤلاء القائد الذي صنع تاريخ المغرب هو الملك الراحل الحسن الثاني”.
وأوضح بلقاضي أن المسيرة الخضراء كانت “مدرسة في السلم والشرعية الدولية، إذ اختار المغرب طريق القانون الدولي بدل الحرب لاسترجاع أراضيه.”

وأكد أن مرور خمسين سنة على هذه الملحمة “ليس مجرد احتفاء بذكرى تاريخية، بل هو تأكيد على أن فكر المسيرة ما يزال حياً، وأن عهد الملك محمد السادس يمثل امتداداً لذلك الفكر في بعده التنموي والإنساني.”
وختم بالقول إن “المسيرة الخضراء كانت ولا تزال تجسيداً لإرادة جماعية ووحدة وطنية لا تُقهر، ومدرسة في الوطنية والوفاء والالتزام.”
رئيس جهة الداخلة وادي الذهب الخطاط ينجا: 77 مليار درهم لأوراش التنمية وتجسيدٌ للرؤية الملكية
في مداخلة موسّعة، استعرض الخطاط ينجا، رئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، الإنجازات التنموية الكبرى التي عرفتها الجهة في ظل الرؤية الملكية السامية.
وأكد أن المسيرة الخضراء المظفّرة عام 1975 كانت “القرار الحكيم لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني لاستكمال الوحدة الترابية وبداية معركة التنمية والاستقرار في الأقاليم الجنوبية.”
![]()
وأوضح أن تخليد الذكرى الخمسينية يأتي في سياق “دينامية إيجابية يعرفها المغرب، خصوصاً بالأقاليم الجنوبية، منذ إطلاق النموذج التنموي الجديد سنة 2015”، والذي خصص له جلالة الملك محمد السادس استثمارات إجمالية بلغت 77 مليار درهم، منها 18.7 مليار درهم لجهة الداخلة وادي الذهب وحدها.
واستعرض ينجا جملة المشاريع المهيكلة التي عرفتها الجهة، من ميناء الداخلة الأطلسي باستثمار يفوق 12 مليار درهم، إلى محطة تحلية مياه البحر للأغراض الزراعية، والمشاريع الخاصة بتثمين الصيد البحري، والطاقة المتجددة، والسياحة الإيكولوجية.
كما أشار إلى البرامج الاجتماعية الموازية التي جعلت من الداخلة مركزاً جامعياً صاعداً يضم مؤسسات كبرى كجامعة محمد السادس لعلوم الصحة، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، ومدينة الكفاءات والمهن.
وأكد ينجا أن هذه الدينامية التنموية تسير بتوازٍ مع نجاحات دبلوماسية “كرّست سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية”، مشيراً إلى افتتاح قنصليات عربية وإفريقية في العيون والداخلة، وإلى اعترافات متزايدة بسيادة المغرب من قوى دولية وازنة.
وختم بالتأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل “الحل العادل والواقعي لإنهاء النزاع، وضمان التنمية والاستقرار في المنطقة، وترسيخ موقع المغرب كجسر للتعاون بين إفريقيا وأوروبا.”
البرلمانية ليلى داهي: المسيرة درس في السلام والوحدة والذكاء الاستراتيجي
من جانبها، عبّرت النائبة البرلمانية عن جهة العيون الساقية الحمراء، ليلى الداهي، عن اعتزازها بالمشاركة في هذا اللقاء، شاكرةً الحضور والضيوف وموجهة تحية خاصة لأعضاء مجلس جهة الداخلة وادي الذهب ورئيسه الخطاط ينجا، الذي وصفته بأنه “إطار صحراوي مثقف يفتخر به ساكنة الأقاليم الجنوبية.”
وأبرزت الداهي أن المسيرة الخضراء “ليست فقط ذكرى للتحرير، بل هي درس في الإنسانية والسلام والذكاء السياسي”، مضيفةً: “في عالمٍ متقلب ومليء بالصراعات، ما أحوجنا اليوم إلى دروس المسيرة في التعايش والوحدة.”
![]()
ودعت الداهي الشباب المغربي إلى “فهم واستيعاب معنى التنمية التي يعيشها المغرب اليوم، والمشاركة فيها بعزيمة وطموح، لأن الأرض خصبة والمجال مفتوح لكل من يريد المساهمة.”
واعتبرت أن “المسيرة الجديدة التي نعيشها اليوم هي مسيرة التنمية التي تقودها الرؤية الملكية المتبصرة، وتضع الإنسان في صلبها، قبل الحجر والعمران.