في واحدة من أكثر لحظات التوتر الجيوسياسي خطورة في الشرق الأوسط، اندلعت مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، لتكون بمثابة اختبار حقيقي لمواقف القوى والتنظيمات المحسوبة على أحد الطرفين.
لكن المثير للريبة، والمخجل في آن واحد، هو صمت جبهة البوليساريو الانفصالية، التي كانت حتى الأمس القريب تُعلن ولاءها الكامل لطهران، وتوزع بيانات "التضامن" مع النظام الإيراني في كل مناسبة، وكأنها إحدى أذرعه الإعلامية في المنطقة المغاربية.
فما الذي تغيّر؟ ولماذا صمتت البوليساريو هذه المرة، على عكس موقفها في أكتوبر 2024، حين سارعت إلى إدانة الهجوم الإسرائيلي على منشآت نووية إيرانية، وسبقت حتى بعض العواصم العربية في إعلان "الدعم الكامل" لإيران؟ الجواب، كما يراه العديد من المراقبين، ليس في الرابوني ولا حتى في تندوف، بل في مكاتب المخابرات الجزائرية.
الجزائر، الراعية الأولى والأخيرة للمشروع الانفصالي، وجدت نفسها في ورطة دبلوماسية مزدوجة، فمن من جهة، علاقاتها المتنامية مع إيران صارت عبئاً عليها أمام الغرب، خصوصاً مع تصاعد الاتهامات حول تورط طهران في تسليح البوليساريو، ومن جهة أخرى، بدأت بعض التقارير تتحدث عن مطالب داخلية جزائرية بالتخلص من أي "دليل مادي" على التعاون العسكري الإيراني-البوليساريو، تفادياً لمزيد من العزلة على الساحة الدولية.
تعليمات من قصر المرادية: اسكتوا عن إيران
ومن هذا المنطلق، يبدو أن أوامر مباشرة صدرت من الجزائر إلى قادة الجبهة الانفصالية: الزموا الصمت، ولا تدافعوا عن إيران، ولا تعلّقوا على أي تطور في المنطقة. وهي تعليمات واضحة تهدف إلى التبرؤ من العلاقة مع طهران في العلن، دون أن تعني بالضرورة نهاية الدعم الإيراني للجبهة في الخفاء.
إن هذا التحوّل التكتيكي من طرف البوليساريو لا يمكن قراءته إلا في سياق الضغط الدولي المتزايد، خاصة من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتفكيك شبكات الدعم التي تستفيد منها الجبهة، سواء عبر إيران أو عبر ميليشيات أخرى في الساحل والصحراء. وكل بيان يُصدر أو لا يُصدر، بات يُحسب بدقة، لأن الرهانات أكبر من مجرد لعبة التصريحات.
والأخطر من ذلك أن هذا الصمت الفاضح قد يكون مقدمة لانهيار سردية "التحرر" التي لطالما تغنت بها الجبهة، فحين تُساير تعليمات النظام الجزائري بكل هذا الخنوع، وتُغيّب موقفها في مواجهة مشهد إقليمي بالغ الخطورة، فإنها تكشف عن نفسها كذراع وظيفي تابع، لا يملك قراره، ولا يحرك ساكناً إلا بإشارة من قصر المرادية.
المغرب كشف المستور... منذ البداية
المغرب من جانبه، كشف منذ سنوات طبيعة هذه العلاقة الملتبسة بين طهران والبوليساريو، وقدم أدلة قاطعة على تزويد الأخيرة بأسلحة إيرانية، استخدمت في هجمات ضد القوات المغربية في الصحراء. وكانت الرباط واضحة عندما قطعت علاقاتها مع طهران، معتبرة دعمها للبوليساريو تهديداً مباشراً لوحدة التراب المغربي.
اليوم، يتأكد للعالم ما قاله المغرب بالأمس: البوليساريو ليست سوى أداة في يد محور معادٍ للاستقرار، تديرها الجزائر، وتسلّحها إيران، وتُستعمل لتقويض الأمن الإقليمي. وبهذا الصمت المرتبك، تحاول الجبهة القفز من المركب قبل غرقه، لكنها لن تفلت من المساءلة.
ومع تصاعد الدعوات في بعض العواصم الغربية لتصنيف الجبهة تنظيماً إرهابياً، يبدو أن البوليساريو دخلت مرحلة الخوف من السقوط النهائي، لذلك تمارس سياسة "الكمون"، لكنها لا تدرك أن صمتها هذا، لا يخفي شيئاً، بل يفضح كل شيء.