بيان الخارجبة الجزائري: حياد على الورق.. انحياز في الميدان

في لحظة دولية مشحونة، خرجت الجزائر ببيان رسمي من وزارة خارجيتها، تُبدي فيه قلقها العميق من “التصعيد الخطير” في المنطقة عقب القصف الأميركي المكثف لمنشآت نووية إيرانية.

البيان، الذي نُشر على عجل في ساعة متأخرة من ليلة 22 يونيو، بدا وكأنه محاولة متأخرة للظهور على رادار السياسة الدولية.

وحاول أن يرتدي البيان عباءة الحياد الدبلوماسي، لكن سطوره لم تخلُ من نبرة مألوفة لدى المتابعين: لغة إنشائية، عمومية فضفاضة، و”حرص دائم على السلم العالمي”، من دولة تسجل في دفاترها أكثر عدد بيانات منذ بداية الأزمة دون أثر فعلي في الميدان.

الغريب – وليس بغريب في منطق قصر المرادية – أن الجزائر اختارت توقيتًا يوحي أنها بصدد تقديم استقالتها من مسؤولية التاريخ، وتحاول بمكر أن تقنع الرأي العام الدولي بأنها لم تستيقظ فقط من النوم، بل من ضمير مستتر لم يعد يعرف الفرق بين دور “الوسيط” ودور “الوكيل”.

وإن كان مضمون البيان يُحذّر من التصعيد ويدعو للعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن القراءة ما بين السطور، بل وأحيانًا فوقها، تشير إلى ما يشبه استباقًا لتورط محتمل أو دور مكلّف تسعى الجزائر لتبييضه… أو على الأقل تلميعه قبل أن تُسلّم الراية.

اللافت أن البيان يحاول إعطاء الانطباع بأن الجزائر “مخوّلة” للحديث باسم التوازنات الإقليمية، بينما تقارير استخباراتية متداولة – وفق ما أشار إليه محللون – تكشف أن النظام العسكري في الجزائر كان أول من حصل على تنبيهات أميركية بشأن الرد الثاني على إيران، وأنه ينسّق منذ أسابيع مع أطراف غربية لدور قد لا يكون بريئًا في خريطة ما بعد القصف.

فمنذ متى كانت الجزائر تُحذر من “المخاطر غير المحسوبة” في المنطقة، وهي التي تُنفق الملايير لتغذية التوتر وتسلّح ميليشيات خارج الحدود؟ هل نسيت أن من “يبيع البنزين للنار” لا يحق له البكاء من الدخان؟

ربما حان الوقت لنقولها بصراحة: بيانات الخارجية الجزائرية لم تعد تقنع أحدًا. فبين لغة خشبية مكرورة، وتوقيت مريب، وخلفيات غير بريئة، تبدو الجزائر وكأنها تُزاوج بين دور الناصح الأخلاقي والمُنفذ الاحتياطي… في مسرحية لا أحد يطلب فيها أداءً إضافيًا.