تقرير خطير..واحات المغرب تحتضر... والرمال تزحف نحو آخر قلاع الحياة في الصحراء
في تحذير صارخ لا يخلو من نبرة الأسى، كشفت مجلة ناشيونال جيوغرافيك الأمريكية، في عددها الصادر لشهر يونيو 2025، عن خطر وشيك يهدد واحات المغرب التاريخية، التي لطالما كانت منارات للحياة في قلب الصحراء، وملاذات خضراء وسط القحل والجفاف.
المجلة دقّت ناقوس الخطر، مؤكدة أن تغير المناخ، والهجرة القروية، واندثار المعارف التقليدية يدفع هذه الأنظمة البيئية النادرة نحو الاندثار، في سيناريو قد يقلب ملامح الجنوب المغربي لعقود قادمة.
في قلب التقرير، تسلّط المجلة الضوء على واحة محاميد الغزلان، جنوب المملكة، والتي تحوّلت، كما وصفتها، من "بوابة الصحراء" إلى مشهد من الصمت والخراب. نهر درعة، الذي كان ينبض بالحياة عبر الواحة، اختفى، ولم تبقَ سوى قنطرة إسمنتية تطل على مجرى جاف تملؤه الرمال والحصى.
التوقعات المستقبلية لا تبشر بخير، إذ من المرتقب أن ترتفع درجات الحرارة في المغرب بـ5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مقابل انخفاض حاد في التساقطات قد يصل إلى 50%. وكنتيجة مباشرة لهذا التحول المناخي العنيف، تذبل الواحات واحدة تلو الأخرى: محاميد، تينغير، تيغمرت، فيكيك... كلها تشهد انسحاب الواحة أمام زحف الصحراء بسرعة تفوق 90 مترا سنويا.
حليم السباعي، أحد سكان محاميد، يصف المشهد بكلمات موجعة: "عندما لا توجد مياه ولا نباتات، تصبح الرمال عدوا سريعا... تحتل الأرض". أما عبد الكريم بناوي، فيختصر الإحباط المتراكم بقوله: "في الزراعة نحن دائما خاسرون. لا مستقبل هنا لأولادي".
ولا يتوقف الخطر عند حدود المناخ. إذ تؤكد المجلة، نقلاً عن خبراء، أن الاعتماد المفرط على الطاقة الشمسية لضخ المياه الجوفية يستنزف الأحواض المائية ويزيد ملوحة التربة، ما يُهدد نخيل الواحات – العمود الفقري للمنظومة البيئية والمصدر الأساسي للرزق.
ويقول الدكتور محمد آيت المختار، الباحث في جامعة الحسن الثاني: "إذا أردنا الحفاظ على هيكل الواحة، يجب أن نحافظ على النخلة".
ومع تصاعد موجات الهجرة، خصوصا في صفوف الشباب، تفقد الواحات توازنها التقليدي، القائم على التعاون الجماعي وتقنيات الزراعة القديمة. وتشير الأرقام إلى انخفاض عدد السكان بنسبة 20% خلال العقدين الأخيرين. السباعي يحكي بحزن: "من بين 200 عائلة في قرية بونو، لم يتبق سوى خمس... منازل الطين تنهار مثل قلاع رملية تحت زحف الصحراء".
لكن وسط كل هذا السواد، تومض نقطة ضوء أخيرة. فـالمعرفة التقليدية لسكان الواحات، إذا جرى دمجها بوسائل تكنولوجية مبتكرة، قد تُنقذ ما تبقى من هذا التراث البيئي والإنساني.
التهديد لم يعد محليا فقط، بل يطال أكثر من 150 مليون شخص عبر شمال إفريقيا وآسيا يعتمدون على واحات مشابهة.
الرسالة واضحة: إنقاذ الواحات لم يعد خياراً... بل ضرورة وجودية.