المجلس الوزاري : إشارات قوية نحو ترسيخ البعد الاجتماعي في السياسات العمومية
في خطوة تؤكد استمرار الرؤية الملكية في جعل الكرامة الاجتماعية للمواطن ركيزة أساسية لكل إصلاح مؤسساتي، ترأس جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم الإثنين 12 ماي 2025، بالقصر الملكي بالرباط، مجلسًا وزاريًا حمل في طياته رسائل واضحة ذات أبعاد اجتماعية وتنموية عميقة، تعكس الإرادة في جعل الدولة الاجتماعية واقعًا ملموسًا وليس فقط شعارًا سياسياً.
الملك يضع اليد على أولوية الأولويات: الفلاحة والقطيع في صلب الاهتمام
افتتح جلالة الملك أشغال المجلس باستفسار مباشر لوزير الفلاحة حول أثر التساقطات الأخيرة على الموسم الفلاحي ووضعية القطيع الوطني، في مؤشر يعكس مدى ارتباط الأمن الغذائي بالاستقرار الاجتماعي.
ورغم الأثر الإيجابي للأمطار على الحقول والمواشي، لم يكتف جلالة الملك بالتفاؤل، بل وجه تعليماته لتأطير عملية إعادة تكوين القطيع بشكل احترافي، بإشراف مباشر من السلطات المحلية، تجنبًا لأي اختلالات محتملة. خطوة تحمل في طياتها وعيًا متقدمًا بضرورة الحفاظ على التوازنات الاجتماعية في الوسط القروي، ودعم الفلاحين الصغار ومربي الماشية، باعتبارهم الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج الوطني.
الماء والأمن المائي: بعد اجتماعي لا يقل أهمية
في زمن التغيرات المناخية المتسارعة، جاء استفسار جلالة الملك لوزير التجهيز والماء بشأن الوضعية المائية ونسبة ملء السدود ليؤكد مجددًا أن الأمن المائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن الاجتماعي.
وقد أظهر الوزير أن مخزون المياه الحالي كافٍ لتلبية حاجيات الشرب لسنة ونصف، وهو رقم مطمئن نسبيًا، لكنه لا يغني عن تعزيز تدبير الموارد وتوجيه الاستثمارات نحو التحلية وإعادة الاستعمال، خاصة في المناطق الأكثر هشاشة.
حماية القضاة… وتكريس العدالة الاجتماعية داخل المؤسسة القضائية
صادق المجلس على مشروع قانون تنظيمي يعدل النظام الأساسي للقضاة، بإدخال تعديلات ذات بعد اجتماعي واضح: رخص الولادة والأبوة والمرض المتوسط والطويل الأمد. خطوة مهمة تكرس مقاربة حقوقية ومجتمعية في تدبير شؤون القضاء، وتعكس توازنًا بين الصرامة الوظيفية والحماية الاجتماعية للعاملين في هذا القطاع الحيوي.
تعيينات جديدة… بمضامين اجتماعية وتنموية
الشق المتعلق بالتعيينات حمل مؤشرات قوية نحو هيكلة الإدارة الترابية والصحية بما يخدم الأبعاد الاجتماعية:
-
تعيين المدير العام للمجموعة الصحية الترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، يعكس التقدم في ورش إصلاح الصحة العمومية على أساس الجهوية والعدالة المجالية.
-
تعيين المديرة العامة لصندوق محمد السادس للاستثمار والمدير العام للشركة الوطنية للضمان وتمويل المقاولة، يندرج ضمن مقاربة اقتصادية بأبعاد اجتماعية واضحة، ترتبط بدعم المشاريع المنتجة لفرص الشغل وتعزيز المقاولة الوطنية.
البعد الإفريقي والاعتراف بالصحراء: للبعد الاجتماعي بعدٌ سيادي أيضاً
صادقت الحكومة على عدد من الاتفاقيات الدولية، من بينها اتفاقيات وُقّعت في العيون والداخلة، في خطوة دبلوماسية ذكية تُكرس السيادة الوطنية من خلال الأدوات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزز إشعاع المغرب داخل الفضاء الإفريقي، خاصة في مجالات مثل التعليم العالي، النقل، التعاون القضائي، واللوجستيك.
خلاصة: بين التوجيه الملكي والتنزيل الحكومي
المجلس الوزاري الأخير لم يكن اجتماعًا إداريًا روتينيًا، بل رسالة سياسية واجتماعية قوية: على الحكومة أن تسرع في تنزيل المشاريع ذات الطابع الاجتماعي، وأن تكون قريبة من نبض المواطن، سواء تعلق الأمر بالفلاح، أو المريض، أو القاضي، أو المقاول.
فبين الواقع المتغير والتحديات المتعددة، تظل الرؤية الملكية ضامنة لتوازن الإصلاحات، ولكن نجاحها على الأرض يظل رهينًا بمدى التزام مختلف المتدخلين بتنزيلها بفعالية، بعيدًا عن البيروقراطية أو التباطؤ التقني.