في مقال حديث نشرته صحيفة The New York Times اليوم الأربعاء 7 ماي تحت عنوان: «لماذا تستثمر الصين كل هذا المال في المصانع المغربية؟»، سلطت الصحيفة الأمريكية الضوء على التحول اللافت الذي شهده المغرب في السنوات الأخيرة، حيث أصبح قطبًا صناعيًا استراتيجيًا، خاصة في مجال صناعة السيارات، ما جعله يجذب اهتمامًا متزايدًا من العملاق الآسيوي.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الصيني شي جين بينغ كان قد قام بتوقف قصير في مدينة الدار البيضاء في نوفمبر الماضي، عقب مشاركته في قمة مجموعة العشرين بالبرازيل. وقد جرى استقباله وفق العادات المغربية التقليدية، بالحليب والتمر، حيث التقى بولي العهد الأمير مولاي الحسن، في زيارة رمزية تعكس عمق العلاقات المتنامية بين بكين والرباط.
بحسب المقال، فإن عشرات الشركات الصينية، وخصوصًا العاملة في مجال البطاريات والسيارات الكهربائية، بدأت في تأسيس وجود صناعي لها داخل المغرب. ويرجع هذا الإقبال إلى عدة عوامل، من بينها الموقع الجغرافي المتميز للمملكة، واستقرارها السياسي، واتفاقيات التبادل الحر التي تربطها بالاتحاد الأوروبي، إلى جانب بنيتها التحتية المتطورة، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، الذي يعد من بين الأكبر في حوض البحر الأبيض المتوسط بطاقة استيعابية تبلغ 9 ملايين حاوية سنويًا.
ويضيف التقرير أن المغرب أصبح اليوم أول مصدر للسيارات إلى الاتحاد الأوروبي، متجاوزًا دولًا كبرى مثل الصين واليابان والهند. ويُعزى هذا الإنجاز إلى استثمارات ضخمة قامت بها شركات عالمية مثل “رونو”، التي تنشط في المغرب منذ أكثر من عقدين، ومجموعة “ستيلانتيس” التي عززت حضورها منذ سنة 2019. وفي سنة 2023، صدّر المغرب أزيد من 350 ألف سيارة إلى الأسواق الأوروبية، في رقم قياسي غير مسبوق.
وتطرقت الصحيفة إلى استثمارات ضخمة جديدة تقودها شركات صينية كبرى، من بينها “Gotion High-tech”، المتخصصة في صناعة البطاريات الكهربائية، والتي تعتزم إنشاء مصنع عملاق “غيغافاكتوري” في منطقة طنجة بكلفة أولية تبلغ 1.3 مليار دولار، مع إمكانية ارتفاع الاستثمار الإجمالي إلى 6.5 مليار دولار، وفق ما أعلنته السلطات المغربية. كما شرعت شركة صينية أخرى متخصصة في مكونات البطاريات في الإنتاج بمدينة الجرف الأصفر، ضمن مشروع تبلغ قيمته 2 مليار دولار.
وترى الصين في المغرب منصة استراتيجية، تماثل من حيث الدور ما يمثله المكسيك بالنسبة للشركات الساعية إلى تجنب الرسوم الجمركية الأمريكية الثقيلة على الواردات. كما تعتبر الحكومة الصينية المغرب بوابة مهمة لتعزيز نفوذها في إفريقيا وأوروبا، مستفيدة من انخفاض تكاليف الإنتاج وقرب المملكة من الأسواق الأوروبية.
لكن هذه الديناميكية الاقتصادية قد تصطدم بتعقيدات الجغرافيا السياسية، لا سيما مع التوترات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة، التي فرضت مؤخرًا رسومًا جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية الصينية، إضافة إلى توجهات أوروبية مماثلة قد تصل فيها الرسوم إلى 45%.
من جهة أخرى، يواجه المغرب تحديًا في الحفاظ على توازن علاقاته الدولية، إذ يستفيد من الاستثمارات الصينية الهائلة في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، لكنه في الوقت ذاته يُعد حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، ويشارك في مناورات عسكرية مع القوات الأمريكية، كما يطمح إلى الحصول على مقاتلات F-35 المتطورة. كذلك، تجمعه شراكات متينة مع الاتحاد الأوروبي. لذا، يجد المغرب نفسه مضطرًا إلى التوفيق بين مصالحه الاقتصادية مع بكين، وبين التزاماته السياسية والأمنية مع الغرب.
وفي سياق موازٍ، يظل ملف الصحراء أولوية قصوى للرباط، وقد عززت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على هذه المنطقة في عام 2020 من موقعه التفاوضي. وعليه، يتعين على المملكة أن تتحلى بالحذر في قراراتها، كي لا تعرض علاقاتها مع شركائها الغربيين لأي انتكاسة، وهي تواصل الانفتاح على الفرص الاقتصادية الصينية.
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن إدارة بايدن أبدت قدرًا من المرونة إزاء الاستثمارات الصينية في المغرب، مما وفر للمملكة هامشًا استراتيجيًا للمناورة. إلا أن أي عودة محتملة لإدارة أمريكية أكثر تشددًا، كما هو الحال مع الرئيس السابق دونالد ترامب، قد تفرض على المغرب إعادة تقييم سياسته الخارجية، واتخاذ خطوات دقيقة للحفاظ على توازن علاقاته وتحالفاته الدولية.