النظام الجزائري يكرس نفسه كحارس متشدد للخطاب الرسمي، لا يختلف في قمعه للحريات عن النموذج الكوري الشمالي في المنطقة، حيث الاعتقالات تُصبح أداة يومية لإسكات الأصوات المخالفة. فكل من يجرؤ على الخروج عن السرب، أو يعبر عن رأي لا يتماشى مع الرواية الرسمية، يجد نفسه خلف القضبان بتهم جاهزة تُلفق له لتحويله من مثقف أو باحث إلى مجرم يُحاكم على أفكاره.
في آخر فصول هذا القمع، أقدمت السلطات الجزائرية على اعتقال الباحث والمؤرخ محمد الأمين بلغيث، لمجرد ظهوره في حوار تلفزيوني عبر قناة "سكاي نيوز عربية"، حيث طرح رأياً حول الأمازيغية.
ولم تكن التهم الموجهة إليه سوى ذريعة لاستهدافه، فما كُتب في حيثيات الاتهام يظهر بوضوح كيف يُحول النظام أي رأي معارض إلى جريمة، بدعاوى مساس بالوحدة الوطنية أو نشر خطاب الكراهية، وهي مصطلحات مطاطة تُستخدم لتصفية الحسابات مع المختلفين.
اللافت هنا أن النظام الجزائري، رغم ترديده شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، يمارس أبشع أشكال القمع ضد أي صوت حر.
فتحقيق قضائي بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية" لمجرد رأي تاريخي أو تحليلي، يؤكد أن البلاد تُدار بقبضة أمنية لا تختلف عن الأنظمة الأكثر استبداداً في العالم. فبدلاً من فتح النقاش حول القضايا الخلافية، يُفضل النظام إغلاق الأفواه بالترهيب والسجن، مما يُظهر خوفه الهش من الحوار والتنوع.
هذه ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة، فالسجون الجزائرية تعجّ بالمعارضين والصحفيين والناشطين الذين تجرأوا على قول كلمة حق، فالنظام يثبت يوماً بعد يوم أنه عدو لحرية التعبير، ولا يرى في المواطن إلا تابعاً مطيعاً، أو سجيناً ينتظر المحاكمة.