الجيش الإسباني يشكّل خلية لدراسة "التهديد المغربي المحتمل".. خطوة مثيرة للجدل في سياق تعاون متنامٍ
في خطوة فاجأت الأوساط السياسية والعسكرية، كشفت صحيفة "ABC" الإسبانية في تقرير نشرته مطلع الأسبوع الجاري، عن إصدار رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسباني قرارًا بتشكيل خلية عمل خاصة لدراسة ما وصفه بـ"التهديد المغربي المحتمل"، وذلك لتقييم الأنشطة المغربية داخليًا وخارجيًا وانعكاساتها على الأمن القومي الإسباني.
القرار، الذي لم يصدر بتعليمات مباشرة من وزيرة الدفاع الإسبانية مارغاريتا روبليس، أثار نقاشًا داخل المؤسسة العسكرية، وأوحى بوجود تباينات بين القيادة العسكرية والحكومة، خصوصًا في ظل النهج السياسي الذي تتبناه حكومة بيدرو سانشيز، القائم على تعزيز العلاقات مع الرباط.
في سياق تحسن العلاقات المغربية-الإسبانية
تأتي هذه الخطوة رغم التحسن الملحوظ في العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد خلال السنوات الأخيرة، والذي تُوّج بزيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب في أبريل 2022، حيث تم التوافق على تعزيز التعاون في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، في إطار شراكة استراتيجية.
خبراء: توقيت القرار ليس بريئًا
وفي تعليقه على القرار، يرى حسن رامو، الأستاذ الباحث في المعهد الجامعي للدراسات الإفريقية والأورو-متوسطية، أن تشكيل هذه الخلية في هذا التوقيت ليس بريئًا، بل يأتي في سياق حساس تعرف فيه قضية الصحراء المغربية تطورات مهمة ضمن أروقة الأمم المتحدة.
واعتبر رامو أن هذا التحرك قد يُفسر كمحاولة لـ"التشويش" على المكاسب المغربية، مشيرًا إلى أن ملفات مثل سبتة ومليلية والحدود البحرية مع جزر الكناري، تعود للواجهة مع كل تطور استراتيجي يحققه المغرب، لاسيما في ظل تعزيز موقعه الإقليمي.
وأضاف أن قوة المغرب لم تعد عسكرية فقط، بل تنبع أساسًا من الدبلوماسية والاقتصاد، إلى جانب دوره المحوري في الحفاظ على الأمن الإقليمي، خاصة في ملف الهجرة والتصدي للإرهاب، مشيرًا إلى أن إسبانيا نفسها تستفيد من هذا الدور المغربي.
"رسالة من الجيش الإسباني"؟
من جانبه، قال محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، إن تسريب قرار تشكيل خلية "تهديد مغربي" قد يحمل رسائل متعددة. فإما أن الأمر يدخل ضمن عمل استخباراتي روتيني تم تضخيمه، أو أنه رسالة مباشرة لتأكيد يقظة المؤسسة العسكرية الإسبانية، واستعراض دورها في حماية الأمن القومي الإسباني.
وأشار إلى أن هذه الخطوة تتزامن مع تصاعد الهواجس داخل إسبانيا بشأن تنامي القدرات العسكرية المغربية، وكذا استمرار الخلافات حول الملفات السيادية مثل سبتة ومليلية، مما دفع بعض الأصوات الإسبانية إلى المطالبة بتدخل الناتو أو الاتحاد الأوروبي لتعزيز موقع إسبانيا إزاء المغرب.
كما لم يستبعد الطيار أن يكون القرار أيضًا إشارة إلى التوتر الكامن بين الحكومة والمؤسسة العسكرية الإسبانية، لا سيما بعد إغلاق قسم الأمن الوطني المختص بمتابعة المغرب، وهو ما اعتُبر قرارًا سياسيا غير محسوب.
بين التعاون والتوجس
رغم ما يربط البلدين من مصالح متشابكة وتعاون وثيق، فإن قرار الجيش الإسباني بتشكيل هذه الخلية، كما يؤكد عدد من المحللين، يعكس استمرار التوجس الإسباني من تنامي نفوذ المغرب إقليميا، كما يطرح تساؤلات حول قدرة المؤسسات الإسبانية على الحفاظ على وحدة الرؤية الاستراتيجية في تعاملها مع جار قوي وصاعد مثل المغرب.
ويبدو أن هذا التطور يعكس عدم اتساق الخطاب السياسي والإعلامي والعسكري الإسباني تجاه المغرب، ويعيد إلى الواجهة أهمية الحوار الشفاف بين البلدين لتفادي أي سوء فهم قد يؤثر على التوازن الإقليمي وأمن المنطقة.