مؤشرات ودلالات اكتساح أحزاب التحالف الحكومي للإنتخابات الجزئية الأخيرة

شهدت الساحة السياسية المغربية مؤخرًا تطورات مهمة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الجزئية التي جرت في أزيد من 27 عمالة وإقليم، وهو ما شكل حدثًا بارزًا في المشهد السياسي على مستوى الجماعات الترابية، حيث اظهرت النتائج  -بوضوح- استمرار الهيمنة الحزبية للأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، مما يعكس قوة هذا التحالف واستمراريته في التأثير على الخريطة السياسية في البلاد.

الهيمنة المستمرة للتحالف الحكومي

من أصل 153 مقعدًا موزعة على 90 جماعة في مختلف أنحاء التراب الوطني، أكدت النتائج فوز أحزاب التحالف الحكومي بنسبة تتجاوز 80% من المقاعد، وهو ما يعكس سيطرة هذه الأحزاب على الانتخابات الجزئية. ولعل أبرز المستفيدين من هذه الانتخابات هو حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تصدر النتائج، ليعزز من مكانته في الساحة السياسية الوطنية. ويأتي في المرتبة الثانية حزب الأصالة والمعاصرة، يليه حزب الاستقلال، لتثبت هذه الأحزاب قوتها وتوحدها في الساحة السياسية رغم التحديات التي واجهتها.

استمرار دعم الساحة السياسية الجماعية

لقد كانت نتائج الانتخابات الجزئية بمثابة رسالة واضحة من الناخبين على دعمهم للأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، حيث حافظت هذه الأحزاب على مقاعدها في معظم الجماعات التي خضعت لهذه الانتخابات. يعكس هذا الدعم استمرارية التوجهات السياسية التي تعكسها هذه الأحزاب، التي استطاعت أن تضمن ولاء العديد من المواطنين بفضل ما تعتبره سياسات فاعلة وناجعة في المجالات التنموية والاقتصادية.

من خلال هذه الانتخابات، تبين أن التوازن السياسي في المغرب لا يزال في صالح الأحزاب التي تنتمي إلى التحالف الحكومي الحالي، ما يعزز فرضية أن هذه الأحزاب تمتلك نفوذًا قويًا في المؤسسات المحلية وتحظى بتأييد واسع على مستوى القواعد الشعبية. وهذا ما يعكس قدرة التحالف الحكومي على تأطير الفئات الشعبية في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متعددة.

التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية

في المقابل، كانت نتائج حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات مخيبة للآمال، حيث سجل تراجعًا كبيرًا على مستوى نتائج الانتخابات بالجماعات الترابية. هذا التراجع يعكس بشكل غير مباشر رفضًا شعبيًا للسياسات التي تبناها الحزب خلال فترة حكمه في الولايتين السابقتين. فخلال فترة حكمه، مرر حزب العدالة والتنمية عدة قوانين وإصلاحات اقتصادية واجتماعية أثرت بشكل كبير على الطبقات الاجتماعية الهشة، مما جعل العديد من المواطنين يشعرون بالإحباط والخذلان.

لقد كانت السياسات الاقتصادية التي اتبعها الحزب، بما في ذلك إجراءات التقشف ورفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، في نظر العديد من المتتبعين للشأن السياسي المغربي، سببًا رئيسيًا لهذا التراجع. فهذه الإجراءات كان لها تأثير سلبي على حياة المواطنين، مما ساهم في ظهور موجة من الاستياء الشعبي الذي ترجمته نتائج هذه الانتخابات. كما أن قوانين التقشف والإصلاحات التي طالما دافع عنها حزب العدالة والتنمية كانت في نظر العديد من الناخبين غير متوازنة ولم تراعِ بشكل كافٍ مصالح الفئات الضعيفة في المجتمع.

تفسير التراجع: بين الوعود السياسية والواقع المعيش

يمكن تفسير تراجع حزب العدالة والتنمية على عدة مستويات. أولاً، من خلال الفشل في الوفاء بالوعود التي قدمها الحزب للمواطنين خلال حملاته الانتخابية السابقة. فقد كان الحزب قد وعد بتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين، غير أن السياسات التي تبناها لم تكن متوافقة مع تطلعات الناخبين، ما تسبب في فقدان الثقة في الحزب وفي قيادته. ثانيًا، كانت هناك مشاكل داخلية في الحزب نفسه، تمثلت في الانقسامات والصراعات بين تياراته المختلفة، مما أثر على صورته العامة في أذهان المواطنين.

أما على مستوى الانتخابات الجزئية، فإن هذه النتائج تؤكد أيضًا أن التحالف الحكومي قد تمكن من استغلال هذه الانتخابات لإعادة ترتيب أوراقه على الصعيد المحلي، مستفيدًا من تراجع خصمه التقليدي. فعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية لا يزال يحظى ببعض الشعبية في بعض المناطق، إلا أن عزوف الناخبين عنه في هذه الانتخابات يظهر جليًا من خلال الفارق الكبير في الأصوات بينه وبين باقي الأحزاب.

الاستنتاج: المستقبل السياسي للتحالف الحكومي

على ضوء هذه النتائج، يبدو أن الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي في المغرب قد نجحت في تعزيز موقعها على الساحة السياسية، بل قد تكون قد وضعت نفسها في موقع قوي استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. في المقابل، سيواجه حزب العدالة والتنمية تحديات كبيرة في المستقبل إذا ما أراد استعادة مكانته السابقة. عليه أن يعيد تقييم سياساته وبرامجه، وأن يعمل على إعادة بناء الثقة مع المواطنين من خلال تفعيل سياسات أكثر توافقًا مع احتياجات الطبقات الشعبية.

باختصار، تظهر نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة أن التحالف الحكومي في المغرب لا يزال يحتفظ بالسيطرة على المشهد السياسي، بينما يواجه حزب العدالة والتنمية تحديات كبيرة في استعادة شعبيته. هذه الانتخابات قد تكون مؤشراً مبكرًا على تحولات كبيرة ستشهدها الساحة السياسية المغربية في المستقبل القريب، وهو ما يستدعي من جميع الأطراف إعادة النظر في استراتيجياتها السياسية.

وحسب عدد من المحللين والباحثين ، فاكتساح احزاب التحالف الحكومي الثلاثي المشكل من الاستقلال والتجمع الوطني والاصالة والمعاصرة يبقى مؤشرا على انها ستبقى الاحزاب التي ستهيمن على انتخابات سنة 2026 ، والتي من الممكن ان احد هذه الاحزاب سيقود حكومة المونديال ، في وقت تعرف فيه احزاب المعارضة حضورا باهتا في مسار كل الانتخابات الجزئية التي عرفتها جهات المملكة منذ انتخابات سنة 2021.