12 خرقًا دستوريًا في قانون الإضراب: اعتراضات قوية على التعديلات الحكومية

وجه المستشاران البرلمانيان عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، خالد السطي ولبنى علوي، مذكرة إلى رئيس المحكمة الدستورية، محمد أمين بنعبدالله، تتضمن 12 ملاحظة على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. جاء ذلك بعد قرار المحكمة القاضي بدستورية قانون الإضراب.

وقد تطرقت المذكرة إلى خمسة ملاحظات على مستوى الشكل وسبع ملاحظات على مستوى المضمون، مجمعة على أن الطريقة التي تم بها إخراج القانون والمسار التشريعي الذي مر به، يجعله "مخالفًا" لعدد من المقتضيات الدستورية والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

ملاحظات على مستوى الشكل:

أوضحت المذكرة أن الحكومة قدمت 95 تعديلاً على مشروع القانون التنظيمي، مما أدى إلى مراجعة شاملة لنصه الأصلي الذي تضمن 49 مادة ليصبح 33 مادة في نسخته النهائية. ورغم أن الدستور يجيز للحكومة تقديم تعديلات دون سقف محدد، إلا أن العدد الكبير من التعديلات يعد تجاوزًا لمداولات المجلس الوزاري، خاصة أن الحكومة الحالية لم تصغ النسخة الأصلية.

كما أضافت المذكرة أنه تم إحالة مشروع القانون إلى لجنتين غير مختصتين، ما يشكل خرقًا للنظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين. فقد أحال مكتب مجلس النواب مشروع القانون إلى لجنة القطاعات الاجتماعية، في حين أحاله مكتب مجلس المستشارين إلى لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية، وهو ما يعد مخالفة صريحة للنظامين الداخليين للمجلسين، حيث أن المشروع يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية مما يجعله من اختصاص لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان وفق المادتين 113 و92 من النظامين الداخليين.

ورغم التنبيه إلى هذا الخرق، واصلت لجنة التعليم بمجلس المستشارين دراسة المشروع والمصادقة عليه، متجاهلة أن الحق في الإضراب منصوص عليه في الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية. وقد اعتبر المستشاران أن هذا الإجراء يعد مسًا بحقوق المعارضة التي منحها الدستور والنظامان الداخليان لمجلسي البرلمان رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان.

وتطرقت المذكرة أيضًا إلى "خرق مبدأ التوازن بين السلطة التشريعية والحكومة وتقديم تعديلات خارج الأجل"، حيث أكدت أن المادة 206 (د) من النظام الداخلي لمجلس المستشارين تلزم بتقديم التعديلات كتابيًا قبل 24 ساعة على الأقل، لكن الحكومة لم تلتزم بذلك، بل عرضت تعديلاتها بشكل منفصل وآني على كل مادة خلال اجتماع لجنة التعليم في 31 يناير 2025، مما أدى إلى توقف الأشغال واحتجاج بعض المستشارين.

وتابعا أن هذا الإجراء أدى إلى الإخلال بمبدأ التوازن بين السلط، وحرمان المستشارين من حقهم في الاطلاع المسبق على التعديلات، مما حال دون ممارستهم الكاملة لحقوقهم الدستورية.

وانتقد المستشاران أيضًا "عدم الأخذ بآراء وملاحظات المؤسسات الدستورية من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان"، معتبرين أن هاتين المؤسستين معنيتين بشكل مباشر بالحقوق والحريات، لا سيما ما يتعلق بتضمين هذا القانون التنظيمي ديباجة تحدد المبادئ الأساسية التي ستستند إليها ممارسة هذا الحق.

وبخصوص الملاحظة الخامسة على مستوى الشكل، تطرقت المذكرة إلى "غياب اعتماد أي معيار قانوني ثابت منضبط" في تحديد النقابات الأكثر تمثيلية في القطاع العام، بالإضافة إلى اشتراط سلامة الوضعية القانونية للمنظمات القانونية للأجراء، مما سيؤدي حتما إلى إبطال ممارسة هذا الحق.

ملاحظات على مستوى المضمون:

فيما يتعلق بالمضمون، انتقدت المذكرة "اعتماد نصوص تنظيمية في مجالات من مجال القانون"، حيث أن المادتين 5 و12 من القانون التنظيمي أحالتا على نصوص تنظيمية في مجالات تدخل ضمن مجال القانون، مما يعتبر مخالفة صريحة للدستور وللوظيفة التشريعية للبرلمان، على أساس أن هذه المواد تؤطر حقوقًا من الحقوق الأساسية ومجالات من مجالات القانون كما هو منصوص عليه في الفصل 71 من الدستور وفصول أخرى منه وليس ضمن مجال التنظيم.

كما انتقدت المذكرة "طغيان" البعد الزجري على قانون من المفروض فيه ضمان ممارسة الحق في الإضراب، حيث خُصص له باب كامل و10 مواد من أصل 33 مادة، مما يرجح المقاربة التقييدية لمقتضيات المشروع عوض الاقتصار على حيز التنظيم كما ينص على ذلك الدستور في فصله 29.

وفضلاً عن ذلك، أكد المستشاران أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب "لم يكرس سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب على التشريعات الوطنية وضرورة ملاءمة هذه الأخيرة معها كما نص على ذلك دستور 2011، متجاهلاً الالتزامات الدولية للمغرب، خاصة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اللذين وقعهما المغرب في 1977 وصادق عليهما في 1979".

وتابعا أن القانون "لم يستحضر المعايير الدولية الراسخة ولا إرشادات منظمة العمل الدولية بشأن تشريعات العمل"، خصوصًا تلك المتعلقة بالحق في الإضراب والإطار المعياري لتنظيمه، مما يتعارض مع التزامات المغرب في هذا المجال.

واستنكرت الوثيقة ذاتها ما وصفته بـ "تقييد الولوج" لحق ممارسة الإضراب، والذي يتجلى، بحسبها، من خلال اشتراطه أن تتم الدعوة للإضراب حصراً من قبل جهات محددة، مستبعدًا بذلك فئات مهنية مثل المحامين والأطباء، مما يخالف العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب.

كما أن تحديد النقابة الأكثر تمثيلية وفق نصوص غير واضحة يتعارض مع الفصل 8 من الدستور، إذ لا يوجد إطار قانوني منظم لهذا المفهوم في القطاع العام، حسبما أشار المستشاران.

وأضافت المذكرة أنه علاوة على ذلك، "تقيد المادة 7 ممارسة الحق في الإضراب باعتبار العودة إليه بعد تعليقه غير مشروعة دون ضمان التزام المشغل بالاتفاقات". كما أن المادة 12 تتضمن مقتضيات من شأنها إبطال هذا الحق خاصة بالمؤسسات والمقاولات الكبيرة التي تتوفر على فروع متعددة داخل الوطن وخارجه.

وإضافة إلى ذلك، تتضمن المواد 16 و17 مساطر معقدة تحد من فعالية الإضراب. وبالنظر إلى القرارات الدستورية السابقة، "فإن المحكمة الدستورية ملزمة بفحص مدى تناسب هذه الشروط مع مبدأ ضمان الحقوق وعدم فرض قيود تعجيزية تعرقل ممارستها".

علاوة على ذلك، انتقدت المذكرة المادة 16 "التي تفرض التزامات مشددة على الجهة الداعية للإضراب، حيث توجب، تحت طائلة غرامة مالية بين 20 ألف و50 ألف درهم، الاتفاق مع المشغل على إعداد لائحة المضربين وتحديد الأنشطة الضرورية لحماية الممتلكات، وفي حال عدم الاتفاق، يتدخل قاضي المستعجلات، مع السماح للمشغل بإحلال عمال آخرين محل المضربين إذا رفضوا تنفيذ تلك الأنشطة، مما يخالف مقتضيات مدونة الشغل".

وأردفت المذكرة أن المادة 20 "تمنح السلطات صلاحية التدخل لكسر الإضراب بحجة ضمان تزويد السوق بالمواد الضرورية، بل تتيح اللجوء إلى قاضي المستعجلات لإيقاف الإضراب، مما يشكل تقييدًا صارخًا لهذا الحق".

وتبعا لذلك، لم تحدد المادة 3 من القانون مفهوم "الخدمات الأساسية"، مما يترك مجالًا واسعًا لتأويله بطريقة قد تعرقل ممارسة الإضراب كحق دستوري، حسبما أكدت المذكرة.

وفي المقابل، تضيف المذكرة أن "المادة 21 حصرت الإضراب في 15 مرفقًا عموميًا واعتبرتها جميعًا مرافق حيوية"، مبرزة أنه لا يجوز فيها الإضراب بشكل كلي، رغم أن توقف العمل بها لا يشكل بالضرورة خطرًا على حياة الأشخاص أو صحتهم وسلامتهم، مما يفرض قيودًا غير مبررة على هذا الحق الدستوري.

وفي غضون ذلك، استنكر خالد السطي ولبنى علوي ما اعتبراه "شططا في استعمال السلطة"، مشيرين إلى أن المادة 19 من القانون "منحت الحق لرئيس الحكومة لمنع الإضراب وتوقيفه بموجب قرار معلل نتيجة حدوث آفات أو كوارث طبيعية أو أزمة وطنية حادة".

ونبه المستشاران البرلمانيان إلى أن رئيس الحكومة "ليس جهة محايدة فهو رئيس الإدارة طبقا للدستور وهو مشغل باسم الدولة وقد يكون الإضراب ضد قرارات الإدارة وسياستها ويزداد الوضع تعقيدا إذا كان رئيس الحكومة في وضعية تضارب مصالح صريحة أو ضمنية، أي أنه قد يكون طرفا في نزاع يترتب عنه ممارسة حق الإضراب، مما قد يؤثر على ضمان ممارسة الحق في الإضراب". وطالبا من باب أولى، بإعطاء الحق لرئيس الحكومة للجوء إلى القضاء.