تصعيد جديد في العلاقات الفرنسية-الجزائرية وسط توتر متزايد

تشهد العلاقات بين فرنسا والجزائر تصعيدًا جديدًا في ظل توتر متزايد بين البلدين، حيث دعا الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، إلى تبني نهج أكثر صرامة تجاه الجزائر. تأتي هذه الدعوة ضمن أزمة ممتدة شهدت عدة محطات مثيرة للجدل، أبرزها اعتقال الكاتب والمفكر الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، ورفض الجزائر استقبال المرحّلين من فرنسا، إلى جانب دعوات مؤثرين جزائريين إلى أعمال عنف داخل الأراضي الفرنسية.

 

ملف الترحيل.. جوهر الخلاف

يُعد ترحيل الجزائريين الذين صدرت بحقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) إحدى أبرز القضايا الخلافية التي دفعت الطبقة السياسية الفرنسية إلى توحيد خطابها تجاه الجزائر. فقد أثارت حادثة رفض السلطات الجزائرية استقبال أحد مواطنيها، رغم صدور قرار بترحيله عشر مرات، جدلًا واسعًا، خاصة بعد أن نفّذ هجومًا داميًا بالسلاح الأبيض في 22 فبراير، أسفر عن مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين.

 

دفع هذا التصعيد المسؤولين الفرنسيين، من أقصى اليمين إلى اليسار، إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا تجاه الجزائر. من مارين لوبان وجوردان بارديل، رموز اليمين المتطرف، إلى رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ووزير الداخلية برونو ريتايو، وصولًا إلى الرئيس السابق فرانسوا هولاند، تصاعدت الدعوات لاستخدام كافة وسائل الضغط الاقتصادية والدبلوماسية لإلزام الجزائر باحترام التزاماتها.

 

هولاند: لا بد من الحزم والحوار

في مقابلة مع قناة BFM TV يوم 28 فبراير، أكد هولاند أن على الجزائر تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها، مشيرًا إلى أن رفضها استقبال المرحّلين لم يعد مقبولًا. وقال: "الجزائر لم تلتزم بما كان ينبغي عليها فعله، وهو السماح بترحيل مواطنيها غير الشرعيين من خلال إصدار تصاريح مرور قنصلية لهم."

 

ورغم تأكيده على ضرورة الحزم، شدد هولاند على أهمية إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، قائلًا: "يجب أن نكون حازمين، لكن مع الجزائر، لا بد أيضًا من الحوار، لأننا في نهاية المطاف بحاجة إلى إيجاد حل." يعكس هذا الموقف توازنًا بين التشدد والانفتاح الدبلوماسي، إذ دعا هولاند إلى احترام الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، مع تأكيد حق فرنسا في اتخاذ إجراءات صارمة عند الضرورة.

 

اعتقال بوعلام صنصال.. نقطة خلافية جديدة

إلى جانب أزمة الترحيل، شكّل اعتقال الكاتب والمفكر الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال نقطة توتر أخرى بين باريس والجزائر. فاعتقال صنصال، البالغ من العمر 80 عامًا والمصاب بسرطان البروستاتا، يوم 16 نوفمبر 2024، أثار استياء باريس، التي اعتبرت الخطوة انتهاكًا لحقوق الإنسان. وقد طالبت فرنسا بالإفراج عنه كشرط لاستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وفقًا لما صرّح به رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو في مقابلة مع Le Figaro.

 

مهلة فرنسية وتحذيرات دبلوماسية

في ظل هذا التصعيد، منحت الحكومة الفرنسية الجزائر مهلة تتراوح بين 4 إلى 6 أسابيع لاحترام الاتفاقيات الثنائية، خصوصًا فيما يتعلق بملف الترحيل. كما لوّح المسؤولون الفرنسيون بمراجعة الامتيازات التي تحظى بها الجزائر، خاصة فيما يتعلق بمنح التأشيرات، في حال استمرار موقفها الرافض للتعاون.

 

مستقبل العلاقات بين التصعيد والتفاوض

تعكس هذه الأزمة مدى تعقيد العلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي لطالما تأرجحت بين التعاون والتوتر. وبينما تسعى فرنسا إلى الضغط على الجزائر لاحترام التزاماتها، تصرّ الجزائر على تبني خطاب "المؤامرة والاستهداف الممنهج"، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين البلدين في ظل هذه الأجواء المشحونة.