جون أفريك : في موريتانيا.. التنافس بين المغرب والجزائر يمتد أيضًا إلى المجال الاقتصادي
إنه صدام بين طموحين جيو-اقتصاديين. يقود المغرب والجزائر هجومًا دبلوماسيًا في موريتانيا، التي تُعد بوابة إلى غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
وباعتبارها شريكًا تجاريًا يقع عند تقاطع هذه الطرق، أصبحت نواكشوط ساحة صراع نفوذ بين جارين كبيرين من الشمال، حيث تحظى كل المبادرات بأهمية كبيرة.
وبعيدًا عن السعي للوصول إلى سوق داخلي موريتاني محدود نسبيًا (يقدر بحوالي 4.9 مليون نسمة)، فإن هذه المنافسة تحمل رهانات أوسع بالنسبة للرباط والجزائر، لا سيما فيما يتعلق بالتحكم في الطرق التجارية والأمن الإقليمي.
الرباط تراهن على المحيط الأطلسي
تتمتع العلاقات المغربية-الموريتانية بزخم إيجابي، وهي ديناميكية عززتها زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب، حيث استقبله الملك محمد السادس في 20 دجنبر الماضي في الدار البيضاء.
وخلال هذا اللقاء، عبر القائدان عن إرادتهما المشتركة لتعزيز الروابط الاقتصادية وتطوير البنية التحتية بين البلدين.
أسفر هذا الاجتماع عن تحديد مسارين للتعاون. الأول هو مشاركة موريتانيا في مشروع أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي، الذي يربط نيجيريا بالمغرب على امتداد 5665 كيلومترًا، بتكلفة تقدر بـ 23 مليار يورو.
والثاني هو “المبادرة الأطلسية للمغرب”، التي تهدف إلى فك العزلة عن دول الساحل (بوركينا فاسو، مالي، النيجر، وتشاد) عبر منحها منفذًا مباشرًا إلى المحيط الأطلسي من خلال ميناء الداخلة الأطلسي المستقبلي.
وبفضل موقعها الجيوستراتيجي الفريد، عند نقطة التقاء المغرب العربي وغرب إفريقيا والساحل، تبدو موريتانيا في وضع مثالي للعب دور رئيسي في طموح المغرب ليصبح مركزًا للطاقة والخدمات اللوجستية.
قبل أسابيع قليلة من زيارة محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الدار البيضاء، قام رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، محمد ولد مكت، بزيارة إلى الرباط في 6 دجنبر، حيث استقبله وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وتركزت محادثاتهم حول المنتدى البرلماني الموريتاني-المغربي، الذي تم إنشاؤه في فبراير 2024 لتعميق التعاون الثنائي، وكذلك مجموعة الصداقة الموريتانية-المغربية التي تضم 20 نائبًا من مختلف التيارات السياسية، إضافة إلى إعادة تنشيط اللجان المشتركة بين البلدين اعتبارًا من هذا العام.
يظهر النشاط الدبلوماسي المتزايد للمغرب في المنطقة من خلال افتتاحه، خلال السنوات الأخيرة، لما يقارب ثلاثين قنصلية في الصحراء المتاخمة لموريتانيا والتي يعتبرها المغرب جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.
أثار هذا التقارب الملحوظ بين الرباط ونواكشوط اهتمام الجزائر المتزايد بموريتانيا. ففي 9 دجنبر، قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة إلى نواكشوط لحضور مؤتمر القارة حول التعليم، الشباب، والتوظيف، الذي نظمه الاتحاد الإفريقي، والذي كان يرأسه محمد ولد الشيخ الغزواني منذ فبراير 2024 لمدة عام واحد. وكانت هذه أول زيارة لرئيس جزائري إلى موريتانيا منذ 37 عامًا.
قبل ذلك، في 22 فبراير 2024، التقى الرئيسان عبد المجيد تبون ومحمد ولد الشيخ الغزواني في تندوف غرب الجزائر، لافتتاح معبرين حدوديين ثابتين، وهو أول منفذ بري بين البلدين منذ استقلالهما.
وترافق هذا الإجراء مع إطلاق مشروع طريق يمتد لأكثر من 800 كيلومتر، يربط بين تندوف في الجزائر ومدينة ازويرات في موريتانيا. ورغم تعثر المشروع الذي كان من المفترض أن ينطلق في دجنبر 2021، فقد بدأ العمل عليه الآن. يمول هذا المشروع بالكامل من قبل الجزائر بتكلفة 600 مليون يورو، ومن المتوقع أن يستغرق 42 شهرًا لاستكماله. حتى الآن، تم افتتاح منطقة تجارية حرة على بعد 75 كيلومترًا جنوب ولاية تندوف.
أما مشروع الخط البحري بين البلدين، الذي أُعلن عنه في يناير 2022، فقد واجه عراقيل بسبب ضعف الصادرات الجزائرية والموريتانية وارتفاع تكاليف النقل. كان من المفترض أن يساهم في تعزيز التبادل التجاري مع أسواق غرب إفريقيا، لكنه لم يحقق النتائج المرجوة حتى الآن.
وفي إشارة إلى تغيير في سياستها تجاه موريتانيا، قامت الجزائر، بعد عشرة أيام فقط من زيارة الرئيس الغزواني للمغرب، باستدعاء سفيرها في نواكشوط، محمد بن عطو، وعينت خلفًا له أمين عبد الرحمن سعيد.
ويرى بعض المحللين أن هذا القرار يعكس عدم رضا الجزائر عن الموقف “الحيادي” النسبي لموريتانيا، خاصةً بعد رفضها الانضمام إلى إطار مغاربي يستثني المغرب.
موريتانيا تسعى للاستفادة من المعادلة المغاربية
يقول مصدر مقرب من وزارة الاقتصاد والمالية الموريتانية، خلال تحضيراتها لاجتماع مجموعة البنك الدولي الاستشارية في باريس، إن موريتانيا تسعى إلى لعب دور مركزي كجسر بين المغرب وبقية إفريقيا، وكذلك بين الجزائر والقارة الإفريقية.
في هذا السياق، يتم وضع استراتيجيات لتحويل محور نواذيبو – نواكشوط – روصو إلى منصة اقتصادية استراتيجية، تُستخدم كأداة لتعزيز التعاون الإقليمي والاندماج الإفريقي.
من جهته، يرى موم علي نفا، المحلل والباحث في جامعة نواكشوط، أن هذا التنافس بين الجزائر والمغرب ليس مجرد تفصيل بسيط. فالجزائر، صاحبة رابع أكبر ناتج محلي إجمالي في إفريقيا، تسعى إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط والغاز، بينما يعتبر المغرب موريتانيا بوابة استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء.
ويشير الباحث إلى أن عدم الاستقرار في منطقة الساحل، لا سيما في النيجر ومالي، يدفع الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع موريتانيا باعتبارها ممرًا أساسيًا إلى غرب إفريقيا.
منافسة اقتصادية حادة بين البلدين
بهدف تعزيز وجودها في موريتانيا، تنظم الجزائر معارض للمنتجات الزراعية، وتفتتح بعض الفروع البنكية هناك. في المقابل، يعد المغرب أكبر مستثمر إفريقي في موريتانيا، حيث يبرز حضوره في قطاعات الطاقة والبنوك والزراعة.
ففي فبراير 2024، استضافت نواكشوط المنتدى الاقتصادي المغربي-الموريتاني، بمشاركة أكثر من 300 رجل أعمال من البلدين.
شهدت التبادلات التجارية بين موريتانيا وجيرانها المغاربيين نموًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت في عام 2023 حوالي 413 مليون دولار مع الجزائر، و300 مليون دولار مع المغرب. ومع ذلك، يبقى المغرب المورد الإفريقي الأول لموريتانيا، حيث يزودها بنسبة 50٪ من وارداتها القادمة من القارة.
يعلق إلي نفا، المحلل الاقتصادي الموريتاني، قائلًا: “رغم الزيادة في التبادل التجاري مع الجزائر، يظل المغرب في موقع مهيمن في السوق الموريتانية، التي تُعتبر بالنسبة له نقطة عبور استراتيجية.”
(عن مجلة “جون أفريك”)