الأزمة المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا: صنصال وحرية التعبير كعلامة على التصدع

تتجه العلاقات الجزائرية الفرنسية نحو مزيد من التدهور، مدفوعة بتراكم ملفات الخلاف والتوتر، وكان اعتقال الكاتب بوعلام صنصال بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل أزمة كادت تطيح بما تبقى من جسور التواصل بين البلدين. هذه الأزمة ليست مجرد خلاف عابر حول حرية التعبير، بل هي انعكاس لتصدعات أعمق في العلاقات الثنائية، تتداخل فيها قضايا تاريخية وسياسية وثقافية حساسة.

تكمن جذور الأزمة في تعارض وجهتي نظر البلدين حول مفهوم حرية التعبير. ففي الجزائر، تولي السلطات أهمية قصوى لحماية الأمن القومي ووحدة البلاد، وتعتبر أن بعض الأصوات والتصريحات، بما في ذلك كتابات صنصال، تتجاوز حدود النقد المسموح به، وتمس بسيادة الدولة وقيمها. تستند السلطات الجزائرية في هذا الموقف إلى قانون المصالحة الوطنية الذي يمنع نبش الماضي المؤلم، وقوانين أخرى تجرم المساس بالرموز الوطنية.
أما فرنسا، فترى في حرية التعبير قيمة أساسية لا يمكن التنازل عنها، وتعتبر أن اعتقال صنصال هو انتهاك صارخ لهذه الحرية. هذه الرؤى المتعارضة تضع البلدين في مواجهة مباشرة، وتجعل من الصعب التوصل إلى حل توافقي.

لكن الأزمة لا تقتصر فقط على مسألة حرية التعبير، بل تتجاوزها لتشمل ملفات أكثر حساسية. فملف الذاكرة الاستعمارية يظل جرحًا مفتوحًا في العلاقات الجزائرية الفرنسية. فالجزائر تطالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية وتقديم اعتذار رسمي وتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبلاد خلال فترة الاستعمار التي دامت 132 عامًا. هذا الملف يمثل محورًا رئيسيًا في الخطاب السياسي الجزائري، ويساهم في تأجيج المشاعر المعادية لفرنسا.

إلى جانب ذلك، تتفاقم الأزمة في سياق إقليمي متوتر، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. تتهم الجزائر فرنسا بدعم الموقف المغربي في هذا الملف، وتعتبر ذلك بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية. وقد دفع هذا التوتر الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس في خطوة غير مسبوقة. كل هذه العوامل تجعل من قضية صنصال مجرد جزء من صراع أوسع بين البلدين، له أبعاد تاريخية وسياسية وثقافية.

إن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الأزمة قد تتجه نحو مزيد من التصعيد، مع تصريحات حادة متبادلة بين المسؤولين في البلدين، وتلويح من الجزائر بخيارات تصعيدية. في المقابل، تصر فرنسا على موقفها الداعم لحرية التعبير، وتطالب بالإفراج الفوري عن صنصال. يرى مراقبون أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى قطيعة كاملة في العلاقات بين البلدين، وهي نتيجة ستكون لها تداعيات سلبية على المصالح المشتركة في مجالات مختلفة، مثل مكافحة الإرهاب والتبادل التجاري والتعاون الثقافي.

إن الأزمة الحالية تكشف عن هشاشة العلاقات الجزائرية الفرنسية، وأن هناك حاجة إلى حوار جاد وصريح بين الطرفين لمعالجة جذور الخلاف، وتجنب مزيد من التدهور في العلاقات. فبدون ذلك، قد تجد الجزائر وفرنسا نفسيهما على حافة الهاوية، ما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.