“الجزائر الجديدة”..صحيفة لوموند الفرنسية تفضح الواقع تحت حكم تبون

تناولت صحيفة “لوموند” الفرنسية في تقرير تحليلي واقع الجزائر تحت حكم الرئيس المعين من قبل العسكر عبد المجيد تبون، مسلطة الضوء على التناقضات بين ما يروّج له من إنجازات وبين الواقع المظلم الذي تعيشه البلاد. جاء تبون إلى السلطة على أكتاف “الحراك الشعبي” الذي كان بمثابة أمل للتغيير، ولكنه سرعان ما انقلب على الحراك وقاد البلاد نحو سياسة قمعية شديدة ضد المعارضة والنشطاء، بينما يروج لنفسه كمنقذ للجزائر.

 

وتحت عنوان “تبون يمتدح إنجازاته في بلد مقموع”، تناولت صحيفة “لوموند” كتبت الصحيفة الفرنسية أن الرئيس عبد المجيد تبون، الذي وصل إلى السلطة بفضل “الحراك الشعبي” عام 2019، سرعان ما انقلب على الحراك وقاد البلاد نحو قمع ممنهج ضد المعارضة والنشطاء. واليوم، يستعد للترشح لولاية ثانية في 7 شتنبر، وهو واثق من إعادة انتخابه دون منافسة حقيقية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تبون، الذي كان يصف “الحراك الشعبي” بـ”المبارك”، تراجع عن دعمه بعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة وبدأ في قمع المعارضة. يدعو تبون اليوم الجزائريين لمنحه “الثقة” لمواصلة مشروعه الرئاسي، مقدماً صورة لدولة كانت على وشك الانهيار قبل أن “ينقذها”. لكن الصحيفة ترى أن هذه الصورة لا تعكس الواقع، حيث لا يزال الشعب الجزائري يعاني من آثار السياسات القمعية والفشل الاقتصادي.

 

تناقضات في خطاب تبون

 

خلال حملته الانتخابية، رسم تبون صورة لدولة كانت تواجه انهيارًا، زاعمًا أنه أنقذها من “العصابة”. وادعى أن الجزائر كانت على حافة الانهيار الاقتصادي قبل توليه السلطة، وأنه حقق إنجازات كبرى مثل النمو الاقتصادي بنسبة 4.2% واحتياطات نقدية تتجاوز 70 مليار دولار. إلا أن الصحيفة أظهرت التناقضات في هذا الخطاب، حيث يعاني المواطنون من ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الخدمات الأساسية، كما حدث في منطقة تيارت التي شهدت احتجاجات بسبب نقص المياه.

 

بالإضافة إلى ذلك، تزايدت الهجرة غير الشرعية من الجزائر، مما يعكس عمق الأزمة التي تمر بها البلاد. وعلى الرغم من ادعائه إنجازات كبيرة، توقف تبون عن الحديث عن “الحراك المبارك”، وبدأ في الترويج لشعار “الجزائر الجديدة”، زاعمًا أنه أجرى تغييرات جوهرية في النظام.

 

القمع يطغى على المشهد

 

تطرقت “لوموند” أيضًا إلى القمع الذي يواجهه نشطاء الحراك، مشيرة إلى المحاكمات التي استهدفت وزراء ورجال أعمال مقربين من نظام بوتفليقة. وعلى الرغم من تقديم هذه المحاكمات كدليل على “تغيير” النظام، ترى الصحيفة أنها غطاء يخفي استمرار النهج السلطوي. التعديلات الجديدة لقانون العقوبات أصبحت أداة لخنق المعارضة وتجريم أي محاولة سلمية للتغيير.

 

الصحيفة أكدت أن وسائل الإعلام في الجزائر باتت خاضعة بشكل كبير للإعلانات الحكومية، مما يمنع أي نقاش حول حصيلة حكم تبون. وأضافت أن العديد من المسؤولين السابقين قد تمت محاكمتهم، لكن هذا لم يكن كافياً لإقناع الرأي العام، خاصة أن تبون نفسه كان جزءًا من نظام بوتفليقة.

الجيش ينتعش والمعارضة خاملة

 

أشارت الصحيفة إلى وفاة الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش السابق، بعد عشرة أيام من انتخاب تبون، مما دفع الرئيس لبدء حملة لتعزيز سيطرته على المؤسسة العسكرية. ورغم أن الدستور الجديد الذي أُقر في عهد تبون عزز سلطات الرئيس ومنح الجيش مهام إضافية، لم يُحدث تغييرات جذرية في النظام، وظل الشعب غير مهتم.

 

وفيما يخص المعارضة، ترى “لوموند” أنها تعيش حالة من الخمول، غير قادرة على مواجهة النظام أو تقديم بدائل حقيقية. وكمثال، أشارت إلى عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم السابق، الذي انتقد تصريحات تبون حول الاقتصاد، مؤكداً وجود مبالغات كبيرة في الأرقام المقدمة.

 

حرية التعبير في خطر

 

أكدت الصحيفة أن حرية التعبير في الجزائر تواجه قمعاً شديداً، مشيرة إلى القانون الذي عدل في يونيو 2021 وصنف أي محاولة لتغيير النظام بأنها “إرهابية”. استُخدم هذا القانون لتبرير اعتقال النشطاء المطالبين بالديمقراطية، بينما تتعرض الصحافة لضغوط شديدة، حيث سُجن العديد من الصحفيين مثل إحسان القاضي بسبب انتقادهم للسلطة.

 

ورغم ادعاء تبون في أغسطس 2022 أن “حرية التعبير مكفولة”، تشير الصحيفة إلى أن الواقع يظهر عكس ذلك. فالعديد من الصحفيين والنشطاء يقبعون في السجون، في ظل تزايد القيود على وسائل الإعلام.

 

الوعود الاقتصادية بين الواقع والوهم

 

يستند تبون إلى أرقام اقتصادية مشكوك في صحتها لتبرير إنجازاته. في خطابه أمام البرلمان في ديسمبر 2023، أعلن عن تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.2% واحتياطات نقدية تفوق 70 مليار دولار. لكن معارضين، مثل عبد الرزاق مقري، سخروا من هذه الأرقام، مؤكدين أن تبون يبالغ في تقدير إنجازاته.

 

خلف الصورة المثالية التي يرسمها تبون، يعاني الجزائريون من صعوبات معيشية كبيرة، مثل نقص المياه الذي أدى إلى احتجاجات في تيارت. كما أن الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا في تزايد مستمر، مما يعكس حجم الإحباط لدى الشباب الجزائري.

 

وترى “لوموند” أن خطاب “الجزائر الجديدة” الذي يروج له تبون يخفي واقعاً من القمع والبطالة وتزايد الهجرة، في ظل نظام يسعى لفرض هيمنته دون منافسة سياسية حقيقية.

وفي ظل حملة تبون للترشح لولاية ثانية، يبقى الشعب الجزائري عالقاً بين وعود “الجزائر الجديدة” والواقع القمعي الذي تفرضه السلطات. وبينما يستمر تبون في الترويج لإنجازاته، تظل البلاد تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الجزائر وإمكانية تحقيق تطلعات شعبها في ظل غياب أي منافسة سياسية حقيقية أو حرية تعبير فعلية.