تعديلات المسطرة الجنائية.. أزمة بين “حماة المال العام” والحكومة تلوح في الأفق !

في تصريحات قوية، حذر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، من التعديلات المقترحة على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، والتي قد يكون لها تأثير خطير على استقلالية السلطة القضائية وقدرتها على مكافحة الفساد.

أوضح الغلوسي أن هذه المادة تجعل رئيس النيابة العامة، وهو الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، تحت سلطة جهات إدارية ومؤسسات للحكامة. وهذا يعني أن رئيس النيابة العامة لن يكون قادرًا على تحريك الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية إلا بناءً على إحالة من جهات محددة، وهي المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشيات العامة التابعة للوزارات، والإدارات، والهيئة الوطنية للنزاهة.

وأشار الغلوسي إلى أن هذا التعديل يمثل تعديًا جسيمًا على السلطة القضائية وانتهاكًا لاختصاصاتها، حيث قال: “هذه المادة تشكل تدخلا سافرًا في السلطة القضائية وسلبًا لاختصاص أصيل للنيابة العامة، مما يجعلها تحت سلطة ورقابة هذه الجهات الإدارية.”

تساؤلات حول فعالية مكافحة الفساد

يثير الغلوسي تساؤلات جوهرية حول مدى فعالية مكافحة الفساد في ظل هذه التعديلات. فهو يتساءل: “ماذا ستفعل هذه الجهات إذا كانت هي نفسها متورطة في أفعال الفساد واختلاس وتبديد المال العام؟” ويضيف: “ماذا سيفعل رئيس النيابة العامة إذا تسترت هذه الإدارات على أفعال غير قانونية تورط فيها مسؤولوها الكبار؟”

ويؤكد الغلوسي على أن هذه الجهات لن تقوم بإنجاز تقارير تدين مسؤوليها المتورطين في جرائم نهب المال العام، ويتساءل: “هل سيتحرك رئيس النيابة العامة أم سينتظر المتهم لينجز تقريرًا يدينه؟”

 اتهامات للنخبة السياسية

لا يتردد الغلوسي في توجيه أصابع الاتهام إلى النخبة السياسية، حيث يصفها بأنها “نخبة متورطة في الفساد والريع والإثراء غير المشروع”. ويتهمها بالاعتداء على مبدأ فصل السلطات ودور السلطة القضائية، وانتهاك الدستور والتزامات المغرب الدولية.

ويضيف: “جزء من منتخبي هذه النخبة، من برلمانيين ومستشارين جماعيين، متابعون بتهم تتعلق بجرائم المال العام، وهي جرائم خطيرة. ومن سخرية القدر، أن هؤلاء البرلمانيين المتابعين قضائيًا هم أنفسهم من سيصوتون لصالح هذه المادة، وسيحشدون الفرق البرلمانية لدعمها.”

دعوة للتصدي

في ختام تصريحاته، وجه الغلوسي دعوة إلى جميع المؤسسات والفاعلين والرأي العام والقوى الحية في المجتمع، للانتباه إلى خطورة هذا التوجه والتصدي له. فهو يرى أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تحصين الفساد وتعزيزه في الحياة العامة، وتقويض التزامات المغرب الدولية والوطنية في مجال مكافحة الفساد.

مرة أخرى، تُثار المخاوف بشأن التعديلات القانونية التي قد يكون لها تأثير على استقلالية القضاء ومكافحة الفساد. ويأتي دور المجتمع المدني والصحافة في تسليط الضوء على هذه القضايا لضمان الشفافية والنزاهة في إدارة الشأن العام.

المصادقة على قانون المسطرة الجنائية

وصادق مجلس الحكومة المنعقد اليوم الخميس 29 غشت الجاري بالرباط، برئاسة عزيز أخنوش رئيس الحكومة، على مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 الذي أعدته وزارة العدل، فيما يترقب أن تتم مناقشته داخل أروقة البرلمان في قادم الأيام.

وأفاد بلاغ لوزارة العدل، بأن مصادقة الحكومة “خطوة مهمة نحو تعزيز العدالة الجنائية وتحديث المنظومة القانونية الوطنية، بهدف استكمال تنزيل بنود إصلاح منظومة العدالة التي دعا إليها الملك محمد السادس في عدة مناسبات”.

وأوضحت الوزارة، أن مشروع القانون الجديد يعد أحد أهم المشاريع التشريعية التي أطلقتها وزارة العدل، ويمثل المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الجنائية، ويرتبط بشكل وثيق بحماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن العام ومكافحة الجريمة، وسيسهم في تعزيز ثقة الفاعلين الإجتماعيين والإقتصاديين في منظومة العدالة ومؤسساتها.

وقال وزير العدل عبد اللطيف وهبي، إن “تبني هذا القانون ليس مجرد خطوة نحو تحديث منظومتنا القانونية، بل هو تجسيد لإرادتنا السياسية الصارمة لإرساء عدالة قوية تضع حقوق المواطن وأمنه في مقدمة الأولويات”.

وأضاف ذات المسؤول الحكومي،  أن هذا المشروع “سيسهم في تحقيق الأمن القانوني والقضائي بالمملكة، ويظل شاهداً على التزامنا بتعزيز سيادة القانون وحماية المكتسبات الديمقراطية التي حققتها المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس”.

للإشارة، من بين المستجدات الرئيسية التي تضمنها المشروع، تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتعزيز حقوق الدفاع، تحديث آليات العدالة الجنائية وضمان نجاعتها، وتطوير آليات مكافحة الجريمة، وحماية حقوق الضحايا في جميع مراحل الدعوى العمومية، ووضع ضوابط قانونية للسياسة الجنائية، مع تعزيز حماية الأحداث وترشيد الاعتقال الاحتياطي.

وبحسب وزارة العدل، “يأتي هذا المشروع في ظل الدينامية الكبيرة التي تشهدها المملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الجريمة، وانخراطها الإيجابي في العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.

كما يعكس المشروع التزام المملكة بتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتبسيط الإجراءات الجنائية وتطوير آليات مكافحة الجريمة، يضيف المصدر ذاته.

وفي ذات الصدد أشارت الوزارة،  إلى أن اعتماد هذا المشروع “يعكس حرص المغرب على تحديث الترسانة القانونية الوطنية تحقيقا لمقتضيات الدستور، وأيضا بما يستجيب للتطلعات والانتظارات الوطنية والدولية، ويعزز دور المملكة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة”.

وفي الوقت الذي شددت فيه على أهمية هذا المشروع في تحقيق العدالة وضمان الأمن العام، دعت وزارة العدل جميع الجهات المعنية إلى التعاون من أجل إغنائه خلال مراحل مناقشته داخل البرلمان بما يحقق المصلحة العامة للمملكة المغربية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *