تعتبر نظرية الرجل العظيم هي أحد أهم نظريات القيادة، والتي تؤكد بأن الملوك العظام يولدون ببعض السمات المميزة عن غيرهم من القادة والتي تؤهلهم لكي يكونوا قادة كبار، وتشير هذه النظرية إلى أنه من الصعب اكتساب أي قائد تلك السمات فهي قدرات موروثة، وهذا هو ما يميز ملوك المغرب عموما والملك محمد السادس خصوصا عن باقي ملوك ورؤساء دول العالم.
وسياق هذا الكلام هو كيفية استقبال جلالة الملك محمد السادس للفريق الوطني، حيث برزت عظمة الملك بشكل رهيب في كل جزئيات وتفاصيل الإستقبال للفريق الوطني انطلاقا من : المطار الى اختيار شوارع وأمكنة مرور الفريق الوطني، إلى ضبط أعضاء الوفد الذين حظوا باستقبال ملكي، إضافة الى أمهات أعضاء الفريق الوطني الى الاستقبال والتوشيح بقاعة العرش بالقصر الملكي، إنه استقبال ملكي يليق بالحدث الذي يعكس التميز المغربي، والنبوغ المغربي وعظمة ملوك المغرب.
أولا- دلالات ورمزية ورسائل اختيار شوارع وامكنة مرور الفريق الوطني من المطار الى القصر الملكي
علاقة المكان بالسياسة وبالأحداث الكبرى علاقات جدلية ووثيقة، لكون السياسة في مفهومها العام لا تدور الا في الأمكنة والشوارع.
لذلك، فاختيار أمكنة وشوارع مرور الفريق الوطني لم يكن اعتباطيا، بل كان مدروسا بعناية دقيقة انطلاقا من مطار الرباط -سلا الى سلا، الى شارع الحسن الثاني مرورا بشارع محمد الخامس وصولا للقصر الملكي.
شوارع وأمكنة كلها رموز وأيقونات، فشارع محمد الخامس مثلا تراث انساني وذاكرة سياسية وتاريخية، مر به ملوك ورؤساء وقادة دول كبار من مختلف بلدان العالم ، واختياره من بين الشوارع الرئيسية التي مر بها الفريق الوطني هو دليل إرادة ملكية على ادخال ما حققه الفريق الوطني لكرة القدم الى الأحداث التاريخية العظمى ، إنه شارع يليق بعظمة الحدث.
ثانيا- استقبال ملكي مدروس غيب مسؤولين كبار وكل الفاسدين بالوفد
لاحظ الكل اختصار الإستقبال الملكي على لاعبي الفريق الوطني وأمهاتهم ورئيس الجامعة والمدرب الوطني فقط، واقصاء رئيس الوفد وباقي الأعضاء، ووزراء الحكومة وهي رسالة لها دلالاتها العميقة مفادها أن جلالة الملك يعلم بكل الممارسات والسلوكات التي جرت بقطر، وإنه على اطلاع بكل التفاصيل بكل ما يجري بداخل المغرب وبخارجه، وأنه ملك صارم في معاقبة كل من يسيئ للمغرب.
وحسب المختصين ، فاستقبال جلالة الملك للاعبي الفريق الوطني وأمهاته، ولرئيس الجامعة والمدرب الوطني فقط ،أحدث فزعا مدمرا في نفسية عدد من وزراء حكومة أخنوش، والمسؤولين عن القطاع الرياضي، لإحساسهم بأن دور المحاسبة اقترب منهم، بعد ما فسدوا ونهبوا وتلاعبوا بهذا القطاع .
وقد أثلج القرار الملكي ابعاد الحكومة وزارئها، وكل الفاسدين بالقطاع الرياضي قلوب كل المغاربة وجعلهم يشعرون بالأمان وبفخر الانتماء للوطن ما دام هناك ملك يحميه من لوبيات الفساد.
ثالثا- القوة السيميولوجية لصور الاستقبال الملكي بالقصر الملكي
تم الاستقبال الملكي بقاعة العرش، وجلالة الملك وولي العهد مولاي الحسن والامير مولاي رشيد هم في أعلى درجات الافتخار والفرح والاعتزاز بما حققه الفريق الوطني، وهو ما جسدته طريقة استقبال جلالة الملك للاعبين ولأمهاتهم اللواتي كن في غاية السرور وهن بجانب الملك محمد السادس بالقصر الملكي وهن اللواتي لم يحلمن قط أن يستقبلهم قائد او باشا او عامل او والي او وزير ، فما بالك ان يستقبلهم ملك ابن ملك وبشكل استثنائي.
صور الاستقبال الملكي بالقصر ودلالاتها القوية أثارت انتباه العالم، وأبرزت قوة البروتوكل المغربي
وعظمة ملوك المغرب، وأكدت ان الملوك يبقون ملوكا في كل شيء .
رابعا – جلالة الملك وولي العهد والأمير مولاي رشيد في قمة الفرح والسعادة
حسب المختصين بسيمولوجية الصورة ، فكل صور صاحب الجلالة مع أمهات ولاعبي الفريق الوطني كانت عفوية وعميقة الدلالة تجسد إنسانية ملك، وتواضع ملك، ومهابة وعظمة ملك، وأهم لقطة في الاستقبال وكانت قمة في التواضع ، هي تلك اللحظة التي اتكأ فيها جلالة الملك على كتف أم أحد اللاعبين، انها اجمل لقطة من ملك عظيم اتجاه احدى نساء الشعب.
إضافة للضحكة الساحرة والصادقة لولي العهد الأمير مولاي الحسن مع أحد لاعبي الفريق الوطني
إنها لقطات استثنائية لحدث استثنائي من قاعة العرش بالقصر الملكي لأسرة ملكية استثنائية في تعاملها مع أمهات وشباب من الشعب.
خامسا- استقبال ملكي كبير للنموذج الشبابي الذي يريده جلالة الملك
افتخار واعتزاز جلالة الملك بلاعبي الفريق الوطني لكرة القدم كان هو الاستثناء، لأن صاحب الجلالة رأى لاعبي الفريق الوطني نموذج الشباب الذي يحتاجه الوطن، شباب متشبث بهويته وبمغربيته وبدينه وبثقافته وبأصالته رغم أنه يعيش بالغرب، شباب قاتل من أجل القميص الوطني، عكس بعض الشباب داخل الوطن، حيث يريد ان يكون غربيا أكثر من شباب الغرب منفصلا عن هويته ودينه ومغربيته شكلا ومضمونا .
شباب الفريق الوطني لا وشم لا رسوم على الجسد، أو وسوم على الوجه او باقي اطراف الجسد ، بل شباب عادي ملتزم دينيا وهوياتيا بتمغريبت، إنهم نموذج ناجح للشاب المغربي عكس بعضهم مما تُفسد قيمهم وعقلياتهم دون قصد كالفنان طوطو الخ.
إنه نموذج الشباب الذي يريده جلالة الملك شبابا مغربيا مقاتلا من أجل الوطن ورايته، منفتحا لكن متشبثا بقيم الوطنية والمواطنة والهوية المغربية.
شباب الفريق الوطني لكرة القدم صحح الصورة السلبية المتداولة على الشباب المغربي داخل المغرب وخارجه.
سادسا- استقبال ملكي متميز لأمهات اللاعبين كنماذج للمرأة المغربية الاصيلة
فكرة رائعة، فكرة ذكية، فكرة ذهاء في دعوة أمهات اللاعبين للقصر، أمهات عاديات بسيطات رافقن وشجعن ابنائهن ،أمهات أصبحن نموذج المرأة المغربية التي يحتاجها مغرب العهد الجديد، أمهات تبادلن كل اشكال الحب والاحترام والحديث والفرح مع الملك محمد السادس بدون بروتوكول او تصنع.
وشكل الحضور المتميز لأمهات اللاعبين حدثا اتخذ أبعادا دولية اهتمت به جل وسائل الإعلام الدولية، بعد رصدها للأمهات، وهن يتبادلن أطراف الحديث مع جلالة الملك، ويلتقطن صورا معه بعد أن خطفن الأنظار بالقصر الملكي بحديثهن العفوي والودي والروح المرحة مع جلالة الملك.
وجاءت دعوة الأمهات للقصر الملكي بعد الدعم المستمر الذي قدمنه لأبنائهن طوال مدة تنظيم كأس العالم بقطر.
والاستقبال الذي خصصه الملك للاعبين ولأمهاتهم يعتبر تكريما للمرأة المغربية الحريصة علي تربية أبنائها على مبادئ المواطنة والوطنية والتضحية والإنتماء للوطن.
سابعا -اختيار قاعة العرش لاستقبال.. دلالة على القوة الرمزية والأيقونية والذاكرة السياسية للمكان
يشكل المكان في عالم السياسة في ذاته فاعلًا حاملًا لعدة دلالات، من حيث حمولاته الرمزية والسياسية والتاريخية.
واستقبال جلالة الملك الفريق الوطني بقاعة العرش بالقصر الملكي لها دلالتها العميقة التي تدخل في صنف الاحداث الوطنية الكبرى، إن المراسيم الكبرى تتطلب دائما وجود مكانا تمارس فيه هذه المراسيم يليق بالحدث.
وفي المغرب غالبا ما يقتصر الاستقبال الملكي بالأحداث او بالشخصيات المتميزة بقاعة العرش لرمزيتها بكونها الفضاء الذي يتحرك فيه جلالة الملك، وبالتالي فقاعة العرش بالقصر الملكي تتتميز بكونها“ المكان المراسيمي” بامتياز؛ حيث يخضع لمجموعة من القواعد والضوابط البروتوكولية.
وفي هذا السياق تعتبر قاعة العرش بالقصر الملكي المجال الأساسي الذي يتحرك فيه الملك، ويتخذ فيه قراراته السياسية، ويستقبل فيه مختلف مكونات النخب العسكرية والمدنية، ويوجه من داخله خطبه للأمة، ويؤدي بين جنباته شعائره واختصاصاته الدينية كأمير للمؤمنين او كرئيس الدولة،
فقاعة العرش، هو الفضاء المركزي الذي تتبلور فيه رمزية الحكم، ومنه تنتقل كل قواعد الطاعة والحكم، وتتكون قواعد البروتوكول التي تفرض على باقي المؤسسات.
مركز الأبحاث الأمريكي، “المجلس الأطلسي”كيفية الاستقبال الملكي يمهد لثورة ثقافية
أبرز المركز الأمريكي أن رحلة أسود الأطلس خلال كأس العالم في قطر، شكلت “أكثر من مجرد إنجاز رياضي”، بل انها تعد “ثورة ثقافية ”، و“ثأرا تاريخيا بالنسبة لجميع الحالمين من كافة بلدان الجنوب” خاصة بالنسبة للأفارقة والعرب والمسلمين.
وأضاف المركز إلى أن مونديال قطر: “أعاد تشكيل طقوس الحدث وأملى قواعد جديدة تتلاءم مع قيمه العربية والإسلامية”، مسجلا أن المغرب أيضا “كانت لديه بعض الدروس التي نقلها”.
وشدد نفس المركز على دلالات صور اللاعبين وهم في وضعية سجود الصلاة عقب كل مباراة، والاحتفاء بالتضامن الأسري من خلال معانقة اللاعبين لآبائهم وأمهاتهم، ورفع العلم الفلسطيني في كل صورة تذكارية، تعد بمثابة تحد لثقافة كرة القدم المتمركزة حول الغرب.
مركزا على أن مشجعي الفريق المغربي تبنوا، يضيف المركز البحثي، شعارا جديدا يمتح من المبادئ الدينية، مستوحى من العبارة العربية “ثقوا بالله “(ديروا النية)، والتي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، واستخدمها حتى السفير الجديد للولايات المتحدة في المغرب، بانيت تالوار.
وتابع المركز البحثي بالقول إن كل انتصار للفريق الوطني قد حطم، وبشكل مجازي، العقد الإمبريالية البالية بكون المدربين والفرق الأوروبية متفوقة بطبيعتها. وبالنسبة للبلدان العربية على وجه الخصوص، يسترسل “المجلس الأطلسي”، “انبثق شعور قومي عربي جديد اضمحلت في ظله عقود من العقلية الانهزامية”.
إنه استثناء مغربي، ونبوغ مغربي، وعظمة ملك، وإرادة شعب.